د. هاني عاشور
اذا كان هناك كلام سيُكتب للتاريخ عن خيبة كبرى، فسيكون عنوانه (أوكرانيا)، تلك الخيبة التي جاءت مع رئيس أمريكي قلب كل موازين ومعادلات ومفاهيم السلام في الحروب الطويلة، فاذا كانت الحروب تنتهي بتفاوض طرفين متحاربين بشروط النصر والخسارة، فإن أوكرانيا الطرف الثاني في الحرب لم يكن له أي وجود ليقرر مصير الحرب خسارة أو نصرا، فترامب هو الذي صنع نهاية الحرب وروايتها الأليمة مثلما يريد.
وإذا افترضنا أن الحرب ستنتهي، فإن ترامب هو الرابح الحالم بجائزة نوبل للسلام وفق ما كان يطرحه خلال حملته الانتخابية، لكن ثمن الخسارة سيدفعه الشعب الأوكراني، الذي وثق باستراتيجيةٍ أمريكيةٍ ابتدعها سلفه بايدن وتحالفت معه القوى الأوروبية، فوهن العظم منها، وأصبحت حكاية سترويها الأجيال عن صراع الرؤساء، حين يحلمون وكيف تدفع الشعوب أثمان الأحلام والخلافات.
الشعب الأوكراني الآن منقسم على نفسه بين حالم بالأمان وبين خائب ساخط على رئيسه زيلينسكي التي تشير استطلاعات الرأي في بلاده أن 16بالمئة من شعبه يقف معه اليوم فقط، بعد حملة ترامبية إعلامية وصفته بأقبح الأوصاف التي عرفها الإعلام العالمي، مثل (دكتاتور حطّم بلاده، فاشل، كوميدي صغير) ليصفه أخيرا في تدوينة على منصة "تروث سوشل" التي يملكها "من المثير للتفكير أن كوميدياً متواضع النجاح، فولوديمير زيلينسكي، تمكن من إقناع الولايات المتحدة بإنفاق 350 مليار دولار في حرب لا يمكن كسبها"، ولأن "زيلينسكي اعترف بأن نصف الأموال التي أرسلناها له 'مفقودة'. يرفض إجراء انتخابات، ما يشير إلى تأييده المنخفض جداً في استطلاعات الرأي الأوكرانية، وليعلن ترامب "أنا أحب أوكرانيا، لكن زيلينسكي قام بعمل سيئ جداً، وبلاده محطمة، وملايين الأشخاص قتلوا دون داع" وكان بعض ما نطق به ترامب يشيع الخيبة في نفوس الأوكرانيين، أو ربما ليشيع الأمل في نفوس الملايين منهم من المهاجرين في دول العالم الآن والذين يحلمون بالعودة لبلادهم، أو ليقتنع مئات آلاف الشباب الأوكراني بان احتمال بقائهم أحياءً سيكون في يد ترامب.
انقسام أوكراني يرفض زيلنسكي أن يقتنع به وتسقيط من اكبر رئيس دولة في العالم كان يمثل اقسى حرب نفسية، ليس للدعم بل لإثبات الخسارة.
وما أن يصمت ترامب حتى يكمل هذه الحرب النفسية وزيره ماسك ليقول إن زيلينسكي المنتهية ولايته " يجب أن يجري انتخابات لإثبات أنه يمثل إرادة الأوكرانيين، وإلا فإنه يعتبر دكتاتورا"، ويؤكد ماسك أن زيلنسكي كان يقود اكبر عمليات غسيل الأموال والتهريب فيما يأتيه من مساعدات مالية من دول أوروبا وأمريكا.
هذه الحقائق وربما الحرب النفسية كانت بداية لمنع زيلنسكي من حضور مفاوضات إنهاء الحرب الأوكرانية، ما جعلته يحاول الدفاع عن نفسه وتصوير بطولاته وقدرته على الاستمرار في الحرب.
لكن اهم الدروس من كل هذا هو أن الشعب الاوكراني انقسم على نفسه، وسيحاول إسقاط رئيسه زيلنسكي في أي انتخابات مقبلة، وربما يمنعه حتى من الترشح فيها، وفيما خارطة أوكرانيا كانت قد انقسمت فعليا بالوجود العسكري الروسي وستذهب منها مدن ومدن، واذا كان ترامب لا يفكر في هذا الانقسام، فان أوروبا ستدرك أن ترامب يمكن أن يكرر السيناريو مع أي دولة أوربية تحلم روسيا بالوصول إليها، ما دام حلم المال والسيطرة على الثروات هو حلم ترامب الذي سيحكم به العالم.