مقدماتٌ لتصفير المشكلات بين العراق وتركيا

آراء 2025/02/26
...

  أ.د عامر حسن فياض


توزعت اتجاهات العلاقات الدولية بين اتجاه تعاوني قائم على التفاهم أو الشراكة أو التحالف. واتجاه تصارعي قائم على التنافس أو التقاتل، بيد أن هناك اتجاها يراوح بينهما يحسب، تارة، بوصفه مستوى من مستويات الاتجاه الاول ويحسب، تارة أخرى

 بوصفه مستوى من مستويات الاتجاه الثاني، فأين نضع العلاقات الثنائية الراهنة بين العراق وتركيا؟ 

هذه العلاقة هي علاقة تتراوح بين اتجاهي التعاون والصراع والشد والجذب، أي علاقة تعاون في جوانب وعلاقة تصارع في جوانب أخرى. فهي علاقة غير مستقرة وغير ثابتة وقلقة ومحيرة تحتاج المغادرة لها ايجابيا إلى زيادة منسوب تصفير المشاكل، بدلاً من زيادة منسوب تصفير الحلول. 

إن مفتاح تحول العلاقات العراقية التركية من نسق تصفير الحلول إلى نسق تصفير المشكلات هو النهج، الذي ينبغي اعتماده بعيداً عن الأدلجة، وهو النهج الوظيفي القائم على مشترك المصالح المتبادلة وليس مشترك العقائد. بمعنى أدق من السذاجة الاعتماد على مشترك الإسلام الذي يجمع تركيا والعراق وذلك لأن الإسلام لم يعد المشترك الفعال والايجابي بين تركيا والعراق بحكم أن الإسلام سياسيا لم يعد واحداً في الفعل السياسي والعلاقات بين دول العالم الإسلامي، بل أصبح أكثر من إسلام واحد.  أما المنهج الوظيفي فهو منهج تكاملي يقوم على الاعتمادية المتبادلة وقوامه تبادل المصالح المشتركة. والأخيرة تدخل في العلاقات الدولية كأوراق تفاوض في مباراة تستخدم في التعاون والتنافس والصراع، فكم هي أوراق التفاوض الأساسية لدى تركيا في علاقتها مع العراق، وكم هي أوراق التفاوض الأساسية لدى العراق في علاقته مع تركيا؟

قبل الكشف عن هذه الأوراق علينا أن نحدد قواعد لعبة التفاوض لنخرج منها بنتيجة رابح رابح للطرفين. وإن تم الاتفاق على هذه النتيجة ستكون نوايا الطرفين العراقي والتركي تعاونية إيجابية وليس تصارعية سلبية.  ان أوراق تفاوض تركيا مع العراق هي ورقة المياه وورقة القدرات العسكرية المتفوقة. أما أوراق التفاوض العراقية فهي ورقة النفط وورقة التبادل التجاري وورقة الاستثمار والاعمار وورقة قضية الكرد وورقة قضية التركمان. وتلك الاوراق قد تشكل فرص تعاون وقد تشكل تهديدات في الوقت نفسه. ومن حق كل طرف من الطرفين أن يعرض أوراقه على الطرف الآخر فما المطلوب عراقياً وما المطلوب تركياً؟ لا يمكن للطرف التركي فرض أوراق تفاوضه على العراق بوصفها تهديدات، وإن كان من حقه عرضها بسلة واحدة دون تجزئة أمام الطرف العراقي. ولا يمكن للطرف العراقي فرض أوراق تفاوضه على تركيا، بوصفها تهديدات وإن كان من حقه عرضها بسلة واحدة دون تجزئة أمام الطرف التركي. ولكن يمكن للطرفين التفاهم أو الشراكة أو التحالف بطريقة الاسقاط أو التبادل الايجابي للأوراق بغية الوصول سوية إلى دائرة التعاون وتوديع دائرة التصارع ليكون التعاون في مجالات: 

1 - مكافحة الإرهاب بالتعاون الاستخباراتي دون نشر القواعد العسكرية التركية في الاراضي العراقية ودون السماح، بوجود حواضن للجماعات الارهابية ضد تركيا في الاراضي العراقية. 

2 - التعاون في مجال توريد النفط العراقي مقابل توريد المياه التركية بين البلدين.

3 - لا ضرورة لاستدعاء التاريخ والمذهبية الدينية في العلاقات العراقية التركية. لان استدعاء التاريخ يراد منه لتركيا احياء السلطنة العثمانية (العثمنة الجديدة)، ويراد منه للعراق استدعاء السلطنة العباسية (العبسنة الجديدة). اما استدعاء الدين فليس هناك في واقع العالم الاسلامي سياسيا دين اسلامي واحد بل دينان (إسلام سني وإسلام شيعي) إن لم نقل أكثر من دينين اثنين، وقد تصل بهذا الدين الحال إلى دين لكل دولة في العالم الاسلامي موصوف بالتعدد المذهبي والطائفي، وليس بالواحدية الإسلامية المحمدية..

وعلى أساس ما تقدم فإن أدلجة العلاقات بين تركيا والعراق بالاستحضار للدين وللتاريخ في العلاقة بين الدولتين لا يخدم التعاون بينهما بقدر ما يخدم التصارع بكل أشكاله، وصولاً إلى حد الاقتتال. إن العلاقات العراقية التركية كانت وستبقى محكومة بمجموعة متغيرات محلية واقليمية ودولية ابرزها المتغير الكردي والمتغير التركماني والمتغير الايراني والمتغير السعودي والمتغير السوري والمتغير الامريكي وكذلك الاوروبي والروسي والصيني. 

إن تركيا تجيد التعامل مع هذه المتغيرات وتحسن توظيفها لمصلحة تركيا ولكي يجيد العراق التعامل مع هذه المتغيرات عليه ما يأتي: 

- على العراق ألا ينظر إلى المتغير السعودي بالعين التركية ولا إلى تركيا بالعين السعودية.

- على العراق ألّا ينظر إلى المتغير السوري بالعين التركية ولا إلى تركيا بالعين السورية.

- على العراق ألّا ينظر إلى المتغير الايراني بالعين التركية ولا إلى تركيا بالعين الايرانية.

- على العراق ألّا ينظر إلى المتغيرات الامريكي والروسي والصيني بالعين التركية ولا إلى تركيا بالعيون الامريكية والروسية والصينية.

- من حق العراق أن ينظر ويتعامل مع التركمان بوصفهم عراقيين تركمانا لا بوصفهم اتراكا في العراق وان الاخير مسؤول لوحده عن حماية التركمان في العراق.

- من حق العراق أن ينظر ويتعامل مع الكرد في العراق بوصفهم عراقيين لا بوصفهم أكراد تركيا في العراق وأن الأخير مسؤول لوحده عن الشأن الكوردي في العراق.

- على العراق التلويح بوجود بدائل اقليمية ودولية غير تركية فيما يتصل بالتبادل التجاري وتوريد النفط والاستثمار والإعمار وسد احتياجات السوق العراقية. 

أخيراً نختتم هذه المقدمات برسالتين الاولى موجهة إلى تركيا والثانية موجهه للعراق.. رسالتنا إلى تركيا تقول إن لديكم ورقتين هما ورقة المياه وورقة القدرة العسكرية المتفوقة، وأنتم حتى الآن أحسنتم اللعب بها لمصلحة تركيا، ولكن تذكروا أن للعراق أوراقا أكثر من هاتين الورقتين. 

أما رسالتنا للعراق فتقول إن للعراق اكثر من ورقتين فإن لم تحسنوا اللعب بها مع تركيا فإن ورقتي اللعب التركية ستبلع أوراق اللعب العراقية الخمسة.