حسين علي الحمداني
مثلت الانتفاضة الشعبانية مرحلة مهمة وصل إليها الشعب العراقي بعد أن وجد أن الطاغية يعبث بمقدرات البلد وأرواح الشعب في حروب عبثية هنا وهناك، وعرض العراق بأكمله لمخاطر كثير ومعاناة كبيرة. لهذا جاءت انتفاضة ربيع 1991 ترجمة حقيقية لإرادة الشعب العراقي في التخلص من هذا النظام القمعي، الذي تهاوى سريعا في العديد من المحافظات في الجنوب والفرات الأوسط وشمال العراق وكأن الجميع ينتظر إصدار شهادة وفاة هذا النظام القمعي، لكن تم السماح له بقمع الانتفاضة الشعبية لا سيما في الجنوب والفرات الأوسط لإدراكهم أن ما جرى هي إرادة شعبية عفوية، غايتها إسقاط النظام والتأسيس لنظام سياسي جديد يحفظ للعراق سيادته وكرامته وللشعب حقوقه، التي سرقها نظام البعث وقاد البلد صوب المجهول الذي لا يرجى منه سوى الخراب والدمار.
لهذا يمكننا القول إن السقوط الحقيقي لنظام البعث كان في انتفاضة الربيع العراقي عام 1991، هذا الانتفاضة التي كسرت حاجز الخوف وأظهرت جملة من الحقائق أهمها بالتأكيد إن الشعب أقوى من الطغاة، وإن الأجهزة القمعية مهما تعددت غير قادرة على مواجهة الإرادة الشعبية ووجدنا جميعا كيف هربت قيادات النظام من مواقعها في المحافظات وتبخرت وتركت مقراتها الحزبية والأمنية مما يدلل على أنها كانت تراهن على خوف الشعب، هذا الخوف الذي تبدد لحظة انطلاق الصرخة الأولى لانتفاضة شعبان الخالدة. وهذه الصرخة كانت قادرة على أن تصل بسرعة البرق من البصرة إلى زاخو، ما يدلل على أن كل الشعب العراقي انتفض في لحظة واحدة من أجل التخلص من القمع والاضطهاد.
لذا سمحوا للنظام بقمعها بما لديه من قوة وبطش وأسلحة لم يستخدمها يوما لحماية البلد بقدر ما أنها كانت في أتم جاهزيتها لقمع المنتفضين في مدن العراق الكثيرة، ما جعل آلة القمع الصدامية تفتك بالصغير قبل الكبير وبالشيوخ قبل الشباب وبالنساء والرجال معا مما حول الكثير من صحارى العراق ومداخل المدن إلى مقابر جماعية، دفن فيها الناس بدم بارد وسط صمت أمريكا وتحالفها آنذاك الذي وجد بان إبقاء النظام أفضل من ولادة نظام سياسي جديد نابع من إرادة شعبية حقيقية.
لهذا تمت إطالة عمر النظام سنوات أخرى، لأنه بات أضعف مما كان عليه من قبل لا يمتلك الإرادة ولا السيادة وكل ما يصبو له النظام وأعوانه في السنوات اللاحقة للانتفاضة الشعبية هي كيف يحافظون على النظام بعد أن أدركوا جيدا أن الانتفاضة الشعبانية أسست لمفاهيم عديدة أهمها قدرة الشعب على التغيير من جهة، ومن جهة ثانية ضعف الأجهزة الأمنية والحزبية أمام الإرادة الشعبية الحرة.
تظل الانتفاضة الشعبانية علامة مضيئة في تاريخ الشعب العراقي الذي سجل فيها موقفة وقدم آلاف الشهداء، من أجل حريته وتحرره من نظام قمعي جعل من العراق سجنا كبيرا للشعب.