بغداد: عماد الإمارة
حذّر مراقبون من أن فرض الولايات المتحدة، خلال الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، رسوماً وتعريفات جمركية على عدد من دول العالم، قد يكون تمهيداً لتغيير قواعد التجارة العالمية، مع احتمال اندلاع حرب تجارية شاملة.
وفي هذا السياق، وصف الدكتور مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء، سياسة ترامب بأنها "حرب جيو اقتصادية"، تعتمد على آليات الحماية التجارية وفرض الرسوم الجمركية لكبح التجارة الحرة. وأشار صالح إلى أن الولايات المتحدة، بفضل نفوذها الاقتصادي العالمي، لا تزال القوة الأكبر في الساحة الاقتصادية الدولية، ما يمنحها القدرة على إعادة رسم ملامح التجارة العالمية بما يخدم مصالحها.
وأضاف صالح، في حديث لـ"الصباح"، أن أميركا تعمل باتجاهين؛ الأول استمرار هيمنتها على النظام النقدي الدولي ولاسيما في تسيير نظام المدفوعات والتسويات التجارية والاحتياطية، والثاني أنها تعد التاجر الأول في العالم بسبب تلك الهيمنة، مبيناً أن سياسة ترامب تهدف لخنق القوة التنافسية الأجنبية إزاء المنتج الأميركي، وتحقيق هيمنة تجارية على العالم، لا سيما مع الصين والاتحاد الأوروبي ودولتي اتفاقية نافتا، وهما كندا والصين.
تفرد أحادي
ورأى أنه انقلاب في النظام الاقتصادي الدولي، بغية ولادة تفوق للدولة القومية على نظام العولمة، وتفرد أحادي من خلال فرض إجراءات وتعريفات جمركية، ما يجعل المنتج الأميركي أقل كلفة ويشجع على نمو الاقتصاد الداخلي للولايات المتحدة الأميركية ضمن اتجاهين؛ موضحاً أن الاتجاه الأول هو الاكتفاء بالمنتج الأميركي للسلع البديلة المكلفة للميزان التجاري الأميركي، والتي ستجعل من تشجيع إنتاجها والطلب عليها أميركيا مزايا نسبية في الأسعار بتكاليف أقل وأسعار منخفضة، مقابل المستوردة، والثاني هو استمرار الهيمنة بنظام المدفوعات النقدية على العالم، وهما فكان متكاملان يأكلان من حافات الاقتصاد العالمي لمصلحة اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، وهي سياسة عميقة تحقق ازدهارا اقتصاديا أميركيا، وفرض نمط جديد من القوة والهيمنة يقوم على قلب معادلة العولمة لمصلحة الدولة القومية الأميركية، وإلغاء بدعة تحرير التجارة العالمية.
أميركا أولاً
من جهته، نبه الباحث والأكاديمي الدكتور عبد الكريم العيساوي، إلى أن واشنطن تدخل مرحلة جديدة في الولاية الثانية للرئيس ترامب، بدأت بتبني شعار أميركا أولا، من خلال التلويح بفرض رسوم جمركية على العديد من شركائها التجاريين الرئيسيين، مثل الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، تحت حجة المعاملة بالمثل وهي سمة من سمات التفكير السياسي الأميركي، مبيناً أنه من الضروري فهم مختصر النظام التجاري المتعدد الأطراف الذي وضع عام 1947 وتوسع عام 1995، من إنشاء منظمة التجارة العالمية في مراكش، ووضع نظام للتحكيم والتنفيذ، وما تبع ذلك من تحول من القيود الجمركية الرمادية إلى قيود مباشرة يمكن التنبؤ بها، ومنع التعريفات الجمركية من الارتفاع.
انعطافة خطيرة
واستدرك العيساوي، في حديثه لـ"الصباح"، بأن النظام التجاري المتعدد الأطراف الذي صمد 30 عاما، يبدو أنه يتعرض إلى انعطافة خطيرة جعلت من نظام التحكيم الذي أوجدته منظمة التجارة العالمية غير فعال كمحكم وغير قادر على التوسط بين أعضائها الكبار، ودفعهم إلى عقد اتفاقيات ثنائية لتجنب التعريفات الجمركية المتبادلة بينهما، مما ينعكس على جوهر مبدأ الدولة الأولى في الرعاية الذي يحكم العلاقات التجارية المتعددة الأطراف، والذي تستفيد منه الدول النامية والناشئة.
ولفت العيساوي إلى أن الولايات المتحدة تدعي فشل منظمة التجارة العالمية في معالجة سياسات الصين التجارية وهيمنتها على الصادرات العالمية، مما جعلها تحقق فجوة تجارية لصالحها بنحو 918 مليار دولار في عام 2024، بينما هناك عجز تجاري أميركي مع المكسيك بلغ 172 مليار دولار، ومع كندا سجل العجز 633 مليار دولار بنفس العام الأخير، بفضل استيرادات أميركا للنفط الخام والغاز الطبيعي من الدولتين.
موجة حمائية جديدة
وبين أن هذه الموجة الحمائية التجارية ليست جديدة في الولاية الثانية لترامب، فقد مارسها عام 2018 ولكن هذه المرة تبدو واسعة النطاق وتشمل معظم الشركاء التجاريين الرئيسيين، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن هناك دولا تحقق معها فائضا تجاريا، إلا أن الميزان التجاري الأميركي يسجل بالمجمل عجزا تجاريا صافيا بلغ عام 2024 نحو 984 مليار دولار، الذي يؤدي إلى عجز في الحساب الجاري الأميركي الذي يمتد إلى بداية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، وهي الآلية التي يقوم عليها توازن ميزان المدفوعات العالمي.
فجوة العجز التجاري
ورداً على التساؤل بشأن قدرة الولايات المتحدة الأميركية على ردم فجوة العجز التجاري مع شركائها التجاريين الرئيسيين، أوضح العيساوي أن الجواب في شقين؛ الأول أن الاقتصاد الأميركي غير قادر على زيادة الإنتاج المحلي، وكذلك هناك ضعف في الادخارات الوطنية لسكانها المحليين، وبالتالي ضعف إمكانية زيادة الاستثمار لتلبية الطلب الاستهلاكي للقطاع العائلي، والشق الثاني أن العجز في الحساب الجاري الأميركي يعمل على امتصاص الفائض التجاري للشركاء التجاريين اليابان والاتحاد الأوروبي وكوريا والسعودية، وهي بذلك تمتلك هذه الميزة عن غيرها من الأطراف في الاقتصاد العالمي.
إعادة ضبط
وخلص العيساوي إلى أن خطة الرئيس ترامب في التجارة الدولية قد تبدو خطة لفرض رسوم جمركية بسيطة متبادلة على العالم، ولكنها ليست كذلك، فبدلا من فرض رسوم جمركية مقابل رسوم، ستقرر أميركا ذلك الآن بشكل أحادي على جميع شركائها، ومن الواضح أنها لم تعد مهتمة بأي شيء سوى إعادة ضبط نظام التجارة العالمية من خلال أمر أحادي.
ووقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يفرض تعريفة جمركية بنسبة 25 في المئة - أو ضريبة على الواردات - على جميع السلع القادمة من كندا والمكسيك.
كما ستخضع البضائع القادمة من الصين لرسوم جمركية بنسبة 10 في المئة "فوق أي رسوم جمركية إضافية"، وقد تعهد بالفعل باستهداف الصين بمعدل 60 في المئة، ودرس فرض ضريبة بنسبة 200 المئة على بعض واردات السيارات.