احمد طالب الدفاعي
التوترات والحروب الاهلية عادة ما تحصل في الدول والجغرافيا المتلونة بالوان الاختلافات القومية والدينية والمذهبية والعرقية، وهناك تجارب مؤلمة لحروب عرقية وطائفية وقومية في كثير من دول العالم عرفت بالتطهير العرقي غايتها السيطرة على الجغرافيا وتفريغها من مجموعة عرقية معينة بالقوة، كما حدث في أوروبا بواقعة التطهير الذي ارتكبه البريطانيون بحق الدنماركيين في عام 1002، ومحاولة التشيك بإخلاء أرضهم من العنصر الجرماني
فضلا عن التطهير العرقي بالحرب الأهلية التي شهدتها يوغسلافيا السابقة في عام 1991 ولأربع سنوات متواصلة بانتهاكات وإبادة ومجازر كان المتضرر الأكبر منها مسلمو كوسوفو.
والعراق أحد هذه البلدان الذي شهد اضطرابات من هذا النوع، لكن لا يمكن ان تدرج في خانة الحروب الاهلية العرقية، انما كانت عبارة عن تطهير للسلطة لفئة معينة من الشعب، مثل المقابر الجماعية التي ارتكبها نظام البعث الفاشي، ضد المكون الشيعي، والقومية الكردية الفيلية، فضلا عن جرائمه التي ارتكبها بحق إخواننا الكرد شمالي العراق وارتكابه مجازر قتل جماعي بشكل فظيع مثل إبادة أهالي مدينة حلبجة بالسلاح الكيمياوي وقتل البارزانيين وغيرها.
لكن يمكن ان نعتبر احتلال تنظيم داعش الإرهابي لست محافظات عراقية عزيزة هو تطهير عرقي، برفع هذا التنظيم شعار الكراهية لبعض الأديان والمذاهب، كانت نتيجتها قتل 1700 شاب عراقي في سبايكر، وكذلك الجريمة الأكبر بابادته للمكون الديني الايزيدي في سنجار، في واحدة من اكبر وأفظع الجرائم التي سيخلدها التاريخ بكل حزن وأسى، بممارسات لا تمت للإنسانية باي صلة تمثلت بمقابر جماعية وقتل وسبي يندى لها جبين الإنسانية.
لكن عملية التطهير هذه لم تكن بأيدي عراقية في حقيقتها إنما هي نتيجة عوامل خارجية، على اعتبار ان اغلب قيادات هذا التنظيم التكفيري هم من خارج العراق ويتجنسون بجنسيات اجنبية من كل دول العالم، وكانت لهم غاية واحدة وهو ارجاع العراق للعصور المظلمة وإنهاء تاريخه الممتد لثمانية آلاف سنة.
لذا عندما جاءت فتوى الجهاد الكفائي كانت ثورة استنفارية اخرجت كل قيم الوحدة والوطنية والغيرة من صدور العراقيين ووجهتها باتجاه اكبر ثورة للتعايش السلمي في العراق، كانت نتيجتها القضاء على الفكر التكفيري في العراق بأيادٍ عراقية خالصة ان كانت شيعية أو سنية أو قومية أو مسلمة أو مسيحية أو شبكية.. الخ
وهذه الثورة العظيمة التي كتبها التاريخ بأحرف من ذهب، رسمت خارطة طريق للعراقيين بالتعايش لآلاف السنين، ورسخت لثقافة قل نظيرها في هذا التاريخ، ولا تستطيع أي قوة أو أجندة من اختراقها أو التلاعب بمبادئها، فكانت انعكاساتها مذهلة استوعبها الشعب العراقي خير استيعاب، ومن نتائجها:
أولا- المحافظة على النظام السياسي المتنوع واستقراره اكثر من ذي قبل.
ثانيا- سد كل المنافذ التي كان ينفذ منها الفكر الطائفي المتطرف.
ثالثا- شحذ ذهنية كل العراقيين بان أي خطر على أي منطقة من مناطق العراق هو خطر على كل العراق.
رابعا- إن واجب الدفاع عن الأرض والعرض ليس من واجبات الحكومة ومؤسساتها العسكرية فحسب انما واجب كل العراقيين.
خامسا- حفزت الشعور الوطني العراقي والاستعداد لكل فرد عراقي بالدفاع عن البلد دون أي خوف.
سادسا- بناء أرضية رصينة للتعايش السلمي بين أبناء البلد، اساسها احترام المعتقدات والثقافات والاعتزاز بها، ونعتقد أن مسيرة الأربعين في كل سنة شاهد اثبات تاريخي على ما ذهبنا اليه من رأي، وكذلك مشاركة باقي فسيفساء الشعب العراقي مع المناسبات والاعياد للقوميات والاديان المختلفة.
وغير هذه النقاط كثير. لذا نعتقد بشكل لا يقبل الشك بأن هذه التجربة العراقية الرائدة بتعزيز التعايش السلمي، جديرة بأن تدرس وأن تكون أساسا رصينا لكل شعب يسعى إلى التعايش السلمي في بلده.