الحبّة والقبّة

عبدالزهرة محمد الهنداوي
المهولون، هم أولئك الذين يضخمون الأشياء والأحداث، فيصنعون من (الحبّة، قبةً)، بمعنى أنهم ينسجون تضخيمهم وفقا لمعلومة صحيحة، أو مصطنعة، فيحيكون حولها القصص والحكايات الخيالية احيانا، أما المهونون، فهم أولئك الذين يقزّمون الاشياء، ويستهينون بالأحداث، ويجعلون من (القبّةِ، حبّةً) أو دون ذلك!.
وقد صنع كل فريق منهما مساحة يتحرك في محيطها، ولعل فريق المهولين كانت له الغلبة، فاستحوذ على المساحة الأكبر، في ظل امواج من الاحداث المتلاحقة في العراق، فمن الحديث عن دعوة الجولاني، (احمد الشرع) لزيارة العراق، إلى تصريحات ترامب العائد إلى البيت الأبيض، وتهجير أهل غزة إلى العراق ومصر والاردن، إلى التكهن بانخفاض اسعار النفط، وبالتالي تعرض العراق إلى أزمة مالية واقتصادية حادة، تهدد رواتب موظفي الدولة، وصولا إلى وباء الحمى القلاعية التي ضربت عددا من بقراتنا الآمنات، وسوى ذلك من الأحداث التي يجر بعضها بعضا، وهنا برز المهولون، مستثمرين في تلك الأحداث، وهم يصيحون بانتشاء وبأعلى أصواتهم، إن الحكومة ستعلن إفلاسها، وان الرواتب ستكون حلما، لان الحكومة لن يكون بإمكانها سداد تلك الرواتب، ذلك لان ترامب قال إنه سيغرق السوق العالمية بالنفط، وان النفط سيغدو (بلاش)، كما أن ترامب سيمنع ايران من تزويد العراق بالغاز، ثم قالوا للناس اياكم وتناول اللحم الأحمر وكذلك جبن العرب وقيمر السدة، والحليب، وقد يصل الامر إلى منع البيض الأحمر أيضا!.
في المقابل استنكر المهونون ما ذهب اليه غرماؤهم المهولون، وكأنهم يقولون لهم، إن كل ما ذكرتموه في تهويلكم محض خيال!، ولا وجود له في ارض الواقع.
إلا أن المنطق هو غير ذلك تماما، ذلك لأن موقف الفريقين، ليس سليما، نعم لدينا مشكلات مالية، ولكن الأمر لن يصل إلى الانهيار أو الافلاس، بلحاظ الظروف شديدة الصعوبة التي مررنا بها في سنوات سابقة، ونعم أن ترامب ملأ الدنيا وشغل الناس بتصريحاته، ولكنه لن يستطيع تلبية الاستهلاك العالمي من النفط، لذلك فإن الأسعار لن تنخفض إلى مستويات متدنية خلال العامين المقبلين على الأقل، وصحيح أن العراق يواجه مشكلة حادة في الكهرباء، وأسبابها معروفة، ولكن لا أتصور أن الحال سيكون بأقصى درجات السوء، كما لا أحد ينكر أن أبقارنا أُصيبت بوباء الحمى القلاعية، ولكن هذا المرض لا ينتقل إلى الإنسان، كما أن الإصابات وان كانت مؤلمة لأنها تمثل ضربة اقتصادية لا يستهان بها، لكنها كانت تحت السيطرة، ولم تصل نسبة الإصابات إلى ربع ما حصل في عام ٢٠٢٣، وفقا لحديث وزير الزراعة، ثم ما لبث الوباء بدأ بالانحسار سريعا.
في ضوء ما تقدم، علينا أن نتعامل مع الأحداث بمنطق العقل والواقع، بعيدا عن التهويل أو التهوين، لأننا في نهاية المطاف ان هوّنا أو هوّلنا فان الضرر سيلحق بنا وبأهلنا جميعا.
رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.