تعقيبٌ ثانٍ على مقالةٍ أدبيَّة: مطبَّات التعجُّل في قراءة النقد الأدبي

د. نادية هناوي
الجدل النقدي فاعليَّة حواريَّة تتخصص في مناقشة وتحليل قراءة بعينها أما بالإضافة إليها أو معارضة طروحاتها أو دحض مزاعمها أو مغايرة توصلاتها ونتائجها جزءاً أو كلا وفي هذا كله إفادة معرفية للقرّاء. ومن دون هذه الإفادة تصبح القراءة خاوية بلا حفر ولا إيضاح، وإنما تسطيح وتسويف. ومن المؤكد أن للقرّاء دوراً مهماً في أية مجادلة نقدية وقد يكونون طرفاً مهماً فيها.
وواهم من يتصور أن نقده لقراءةٍ ما، أمر محصور بينه وبين طرفٍ ثانٍ فقط، وأنهما وحدهما المعنيان بأمر النقاش والجدل، ولا علاقة للآخرين بهما. وإذا حصل مثل ذلك، فيكون لأمور شخصية جداً، ولكنها لا تطرح في وسط عام. ويكمن نجاح الجدل النقدي في مدى ما يتركه من أثر ثقافي واستزادة معرفيّة تعود بالنفع على عامة القرّاء متخصصين وغير متخصصين.
ولا بدَّ أن يلتزم الناقد في أية مجادلة بجملة مواضعات، أهمها اتباع المنطق العلمي في الاحتجاج والاستدلال، تحري الدقة والوضوح، إعطاء القرّاء اعتباراً لا سيما إذا كان الجدل جارياً على صفحات جريدة يومية تطالعها فئات مختلفة من
المتعلمين.
ولقد تمثل الرعيل الأول من الأدباء والنقاد العرب هذه المواضعات في جدالاتهم النقديّة، وكان أساسها قائماً على البحث عن الحقيقة واحترام الرأي الآخر على وفق القاعدة التي تقول: إن الاختلاف في الآراء، لا يفسد للود قضية.
ولهذا كله كانت مخاصماتهم ومعاركهم الأدبية ذات أبعاد إيجابية، تجلت مظاهرها في الحياة الادبية والحياة الثقافية عامة، مشيعة فيها الحيوية، ودافعة بها نحو
الأمام.
وكلما كانت للناقد تجارب في هذا الميدان، انصقل بنيانه، وغدت محاوراته محسوبة النتائج حتى لا مجال فيها للمغامرة بالتهويم أو الشطح أو المناكفة والانتقاص؛ فهذه ممارسات مكانها وسائل التواصل الاجتماعي التي من الممكن لكل من هبَّ ودبَّ أن يدلي برأيه حسب هواه ومزاجه ومستواه حيناً، وأحياناً كثيرة حسب مصلحته
الشخصية.
وما يخرج بالجدل عن مساره النقدي أمران: الأول مجانبة الانصاف من لدن واحد من المتحاورين أو كليهما، والأمر الآخر غياب الموضوعية حتى لا أهمية لمنهج أو نظرية. أما إذا اجتمع مع الأمرين سلوك ثالث هو المغالطة والتجني عن قصد وإصرار، فلا جدل حينئذٍ، وإنما هي مهاترات ونزق ومناكفات لا طائل من ورائها، ولا نفع يرتجى منها.
وليس مستغرباً أن تغيب هذه المواضعات عن بعض الأكاديميين الذين يتصورون أن من يدخل معهم في حوارٍ ما، هو بالضرورة ندٌّ لهم، يريد بهم سوءاً. ومن ثمَّ لا سبيل أمامهم سوى الذود عن الحياض. وللأسف هذا ما اتسمت به مقالتا د. سلمان كاصد المنشورتان في جريدة الصباح الاولى بعنوان "نقد النقد: اشتغال في الأدبيَّة لا الفلسفيَّة" والثانية "سردٌ طويلٌ في الاستهلال حوارٌ قصيرٌ في الخاتمة" المنشورة في 24
شباط 2025.
وكان موضوع المقالة الأولى الأستاذ فاضل ثامر، أحد أعمدة الثقافة العراقية، ومن لم يعرف مسيرته النقدية فهو ليس من النقد والنقاد. وموضوع المقالة الثانية هي كاتبة هذه السطور التي تجد في ما تضمنته مقالة المعقّب د. سلمان كاصد ما لا يصلح لمواصلة الجدل النقدي، بيد أن حرصها أولاً على تصحيح المفاهيم المغلوطة، ونشدانها ثانياً الصالح العام بالتثقيف النقدي ذي العوائد المعرفية، هو الذي يحملها على التعقيب مجدداً.
بدءاً، لا بدَّ من تأكيد ما للأستاذ فاضل ثامر من تجارب في الجدل النقدي، وباعه مشهود في هذا المجال. أما كاتبة هذه السطور، فلها تجارب تزعم أنّها أثارت اهتماما، وكان كتابها "في الجدل النقدي"2020، جامعاً لمجريات مجادلاتها النقديّة مع نقاد وكتاب عراقيين وعرب.
ومما جاء في المقدمة (لا يتصور قارئ هذا الكتاب أن مدار الجدل تطبيقات على نصوص نقدية أو أدبية، وإنما هو نقاش وحوار حول واحدة من المسائل الآتية: 1. دعوى باطلة قيلت في حق ناقد أو أكثر. 2. مؤاخذة نقدية أدلى بها أحدهم. 3. تجنٍ معرفي شطح فيه بعضهم.4. تفيقه قرائي وهوى كتابي ناجمان عن سوء فهم وتقدير.)
وأيّا كانت حالات الجدل النقدي، فإنّ البغية تظل معرفية. أما مجانبة الصواب واللا موضوعية، فلا تفضيان سوى إلى عدم الاتزان بالهجوم والتقوّل والادّعاء وبلا أسانيد او حجج علمية. والنتيجة أن لا حظَّ للجدل في الإضافة العلمية والإفادة القرائية.
ومع أن المعقب د. سلمان كاصد ابتدأ مقالته بلفت النظر الى "أصول الكتابة.. في إطار الفضاء النقدي"، فإنه ابتعد عنها سالكا طريقا أخرج الحديث عن مسلكه المطلوب منه السير فيه،
وكما يأتي:
1 – تناقضه الواضح وهو يسم مقالتنا بـ "الاستسهال وعدم القدرة على تلخيص الأفكار بشكل دقيق وواضح" إذ كيف يراه مستسهلا وفي الان نفسه يحتاج الى الدقة والوضوح! وتكرر الامر في قوله "استسهالا واسترسالا نقديا غير مستساغ" وفي موضع آخر"مسحاً نظرياً متراكماً".
علما أنه سيخصص ثلثي مقالته للدفاع بإزاء ما سماه "استسهالا". ومن يتمعن في مقالتنا، سيجد أنها بالمجموع كانت نظرية تعززها الحجج خالية من التطبيقات
الإجرائية.
وكان حريا بالناقد المعقب أن يتحاور في هذا النظري، لا أن يهتم بالتفتيش عن مواضع ورود اسمه، فغابت عنه حقيقة أنَّ ما أخذناه عليه كان الغرض منه عاماً، لا يختصُّ بشخصه وحده، بل معه كل أستاذ يرى في نقد النقد خطاباً مغايراً هو ليس من النقد ولا الفلسفة أو أنّه ابتكار جديد، فيتسابق من ثمَّ للاستحواذ عليه !!.
2 – تراءى للمعقب الكريم أن الجدل النقدي مداره بين كاتبين اثنين دون سائر القراء، فتصور أن مقالنا "نسى غايته أي مركز مقصده؛ لذا تراهُ يذهب إلى ما هو خارج نصّه المراد توضيحه" ويخيل إلينا أن المقصد الذي عناه المعقب هنا هو الناقد فاضل ثامر، وليس نقد النقد الذي يفترض منطقياً أنه هو مقصد النقاش.
3 – رأى المعقب أن الشروحات والمفاهيم "متداولة في ساحة النقد النظري" وفي هذا مغالطة تنمُّ عن عدم التأني في القراءة. ذلك أن مقالنا كان موجهاً باتجاه فكرة محددة هي دحض دعوى أن نقد النقد فعالية جديدة لم تُمارس ولم تُبحث، وتفنيد فكرة كونه حقلاً جديداً وقع عليه الواقعون. وكيف نحتج لهذه الفكرة ونؤكد قدامة هذه الفعالية إن نحن لم نمر بمحطات بعينها من تاريخ النقد الادبي.
وهنا نطالب المعقب أن يحدد لنا أين هذا "الذي تزخر بها الكتب العربيَّة الموضوعة والمترجمة" كي نفهم ما عناه "بالاجترار والتكرار المدرسي" ازاء آراء خاصة بنا، منها مثلا تأكيدنا أن هدف تودوروف "الحقيقي هو البحث عما يعزز التوجهات
ما بعد البنيوية.. ومع ذلك لم تنفع محاولته ولا محاولات غيره في المحافظة على مكانة المدرسة الفرنسية. فلقد تراجعت بالتدريج أمام زخم الدراسات الثقافية حتى بلغت في نهاية التسعينيات مرحلة النضوب المعرفي، ليتحول ميزان الهيمنة الى مدرسة أخرى ستظهر بقوة وفاعلية في القرن الحالي هي المدرسة الانجلوامريكية". او قولنا عن الناقد العربي "وكان أمامه واحد من خيارين: أما أن يستمر في تبعيته للمدرسة الفرنسية ويساير نهجها ما بعد البنيوي أو يتحول بتبعيته الى المدرسة الجديدة التي ما كانت واضحة الأطر والحدود
وقتذاك.
واختار نقاد بلاد المغرب العربي المسايرة، كونهم غير قادرين على المجازفة وترك المدرسة الفرنسية بينما وجد النقاد في بلاد المشرق أنفسهم ميّالين وبشكل حذر الى الدراسات الثقافية البريطانية ومن بعدها الدراسات الفرنسية والأمريكية".او قولنا ازاء من يروج للنقد الثقافي أنه كان طوق النجاة الذي كفا الكثيرين شر المفاهيم والنظريات ممن يعملون تحت يافطته على صعيد التأليف والتدريس وعقد الندوات. ومثلهم الذين يرون في نقد النقد يافطة إعلان نقد جديد مستقل (غير أدبي) يريدون
تأصيله!!.
وكذلك ما قلناه بحق نقاد الصف الأول والصف الثاني، ممن (ظلوا في منجاة من ذلك كله) ونكتفي بهذه المقتطفات وثمة غيرها، يمكن لمن يريد الحقيقة أن يقرأها بتمعن وعمق، وعندها سيعلم أن المعطيات المقدمة في المقال ليست كما تصور المعقب "مقدمة استعراضية طويلة" و"العرض البانورامي الغريب حقاً الذي استغرق أكثر من ثلثي المقالة النقدية التي كتبتها
الناقدة".
بل هي محصلة دراسات لا تخلو من مخاضات واشتباكات مع كل ما هو ملتبس وشائك وجديد، وجهناها نحو هدفنا المحدد وهو إفهام من استغلق عليه أمر النقد الادبي وتاهت عليه فعالياته، فظن أن بين النقد الأدبي ونقد النقد فاصلًا، يكون معه الأخير – أي نقد النقد- حقلا
وحده !.
4 –اللا تأني في القراءة واعتبار الجدل مناكفة، أوقع صاحبه في مطب أقل ما يقال عنه انه سوء فهم واستيعاب، فمثلا توهم المعقب (ان فاضل ثامر هو المعني بممارسة تتعدد، وأن الدكتور سلمان كاصد معني بـ "خطاب يتمرد.") مع أن عنوان مقالنا واضح "النقد الأدبي: ممارسة تتعدد وخطاب
يتمرد". أو تصوره أن قولنا الآتي "يعيد الناقد ما كتبه الناقد السابق اجترارا وتكرارا من دون أي تأصيل معرفي، أو هو محاباة وإشادة من دون أي بعد علمي موضوعي" يعني شخصه الكريم وأيضا "أنني أعدت ما كتبه الناقد فاضل ثامر اجتراراً وتكراراً" مع أن اسمه لم يرد في أسطرنا السابقة لأن الكلام هنا عام لا تشخيص فيه. أما الذي شخصناه في المعقِب بالتحديد فهو قولنا "ناقش هيكيلية المقالة، ولم يناقش فحواها وهو أن نقد النقد فعالية
قرائية".
5 – اعترف المعقب أنه لم يناقش فحوى مقالة الاستاذ فاضل ثامر. وحجته "أنها ليست فحوى كاتبها، بل فحوى نقاد الغرب الأوروبيين". ولو كان الامر كذلك، فلماذا إذن عقبتَ وآخذتَ ونصحتَ؟ والاولى بك أن تؤاخذ اولئك النقاد على ما قدموه من تنظيرات، هذا إن كان في النفس طاقة للتنظير!
6 – يتساوى عند المعقب مفكرو نقد استجابة القارئ ومنظرو القراءة والتلقي مع منظرين مختصين بقضايا الاجتماع والواقعية والايدولوجيا "كولدمان ولوكاش والتوسير" وشتان ما بين المنهج السوسيولوجي البنائي وطروحات آيزر وياوس وستانلي فش وريفاتير وغيرهم ممن مركزوا القارئ وجعلوه كيانا لا يكتمل النقد من دونه.
أما مسالة أن هؤلاء وأولئك "كثيراً ما عقبوا واستدركوا نظرياً على بعضهم" فهذا طبيعي لأن هذا هو ما يقتضيه النظر النقدي بكل فعالياته ومنها فعالية نقد النقد.
7 - يُنكر المعقب على الناقد فاضل ثامر "مساهماته في كتاباته المبكرة في هذا الحقل" وأن دراسته "النقد الأكاديمي في مواجهة شعرنا الحديث" هي في رأيه ("لا تمت للنقد بصلة بل هي "عرض لأربع رسائل دكتوراه") وهذا حكم متعجل وقراءة فقيرة؛ إذ لا محصلات استطاع المعقب تكثيفها فدلل من خلالها على باعه في الاختزال المعرفي. ومعلوم أنَّ الاختزال في الفعل النقدي فنٌّ لوحده. وعجالة المعقب واضحة أيضا في أحكامه، منها حكمه على مقالة الناقد فاضل ثامر "أنها سريعة" وزعمه أن كاتبة هذه السطور لم تعرف الأطروحة التي يفتخر باكتشافها مع أننا قلنا إزاءها الآتي "مجرد نقولات فضلاً عن أخطاء لا مجال لذكرها هنا لا سيما قولها إنّ موضوع نقد النقد موضوع مستجد في ساحة النقد وفي نفس الوقت منفصل عنه وهذه اهم صعوبة" فكيف اذن لم نطلع عليها؟ ولمَ تجاهل هو مؤاخذاتنا لهذا العمل
المدرسي؟
وكذلك تجاهله قولنا إن للناقد فاضل ثامر دراسات في هذا الصدد، منها "مستويات القراءة وشروطها" ولم يتعرض المعقب لكل ذلك، لسبب غير خافٍ يمنعه من أن يستمر في الجدل العلمي.
وعوّض عن ذلك بإطلاق الأحكام الجزافية والادعاءات الواهية، منها استهانته واستصغاره أمر (الامانة العلمية) وسخريته من أمر كان واحدا من الذين اطلعوا على حيثياته، ومنها مذكرة السطو العلمي الموجهة الى دائرة الثقافة بالشارقة قبل أن تضطر كاتبة هذه السطور إلى إعلانها على الملأ. ولقد كان موقفه مشجعا حتى أنه نقل عن أحدهم انه قال له: لو كنت في مكان الناقدة لأقمت الدنيا ولم أقعدها. وهنا يتبادر السؤال الاتي: ما علاقة هذا الموضوع بتعقيبه (على مقالة الأخ
ثامر..)!
8 – من الغريب أن ينهي المعقب مقالته بأهم نقطة في الموضوع المتناقش حوله، وكان واجبا عليه أن يمركز تعقيبه عليه، وهو علاقة الناقد بالفيلسوف، وطبيعة المسافة بين النقد الادبي والفلسفة، مما كنا أخذناه عليه سابقا، وقلنا بالحرف الواحد "هذا التعارض بين فهم نقد النقد فعالية قرائية وبين التوهم أنه اشتغال جديد لا علاقة له بالفلسفة ولا صلة له بالنقد الأدبي هو ما جعل د. كاصد يرى تعارضا بين مقولة الناقد ثامر وبين استنتاجاته .. من هنا نرى أن الفصل بين النقد والفلسفة تعسّفي ومثله أيضا فصل النقد الأدبي عن نقد النقد، لسبب بسيط هو أن الأول ميدان الثاني، والثاني نمط قرائي من أنماط الفاعلية
النقدية".
ولأن المعقب غير قادر على مناقشة هذا الطرح، راح يستشهد بمقطع من لقاء صحفي، أجاب فيه تودوروف عن رأيه في بارت. ويعلم أي ناقد حصيف أن حوارات المنظِّر الادبي هي غيرها نظرياته، ومن يرد أن يتزود من فكره، فعليه بالأطروحة التي صاغها. أما الحوارات وما فيها من نرجسيات ومزايدات، فليست مجالا للاعتداد. ولم لم يكن المنظر مفكرا، وله أطروحته، لما صارت للنقد فلسفاته، ومنها صيغت النظريات الادبية والمناهج النقدية. ولولا الفلسفة لما كنا وقفنا في النقد الادبي على أية نظرية أو مدرسة. ولعل هذا التوضيح يفي بإفهام من استغلق عليه قولنا "إن هؤلاء ليست لهم مدارس فلسفية، لكنهم لم يبتعدوا عن الفلسفة".
9 – تجنى المعقب في قوله "الجملتان متناقضتان تماماً بين تحديد تودوروف.. نقد النقد تعليق على النصوص، يهتم بالحقيقة" وبين قوله (النقد حوار) لكن المعقب لم يكمل قراءة الجملة (النقد حوار.. انه لقاء صوتين صوت الكاتب وصوت الناقد وليس لأي منهما امتياز على الاخر- الكتاب: ص147) ولم يقل تودوروف في هذه الجملة نقد النقد لأن النقد الأدبي هو الميدان الشامل لفعالية نقد النقد والفعاليات الأخر. وندعو المعقب الكريم الى التأني كثيرا عند قراءة كتاب مثل "نقد النقد" كي يعرف أن مقدمته ليست لتودوروف، بل هي مدخل كتبه المترجم سامي سويدان، وأنَّ تودوروف لم يكن "يُحيل إلى ما هو خارج النص" كما نقترح على المعقب أن يتمعن مليا في الحوار الذي جرى بين تودوروف وبول بنيشو، ليكتشف جماليات الجدل
النقدي.
10 – يؤاخذ المعقب كاتبة هذه السطور على استعمالها المثل العربي، وفاته أنَّ استعمال الأمثال المأثورة أسلوب بلاغي. والأمثال تضرب ولا تقاس. والناقد ما بعد الحداثي يعرف أكثر من غيره أهمية وصل التراث الأدبي بالحياة المعاصرة. أما من يرى أنَّ ما ورثناه من أسلافنا "جاهلي، بدوي، متخلّف.. سيحيل العالم إلى صحراء" فموضوع مستقل، سنرجع إلى التفصيل فيه في مناسبة قادمة.
ختاما نقول، إن الجدل النقدي حين يكون علميا، يربأ بصاحبه عن المنقصة والابتذال والتجريح. والناقد الجاد هو الذي يتحرى العلمية والموضوعية والدقة، وهو مسؤول أمام القراء إن شاع خطل أو حصل زلل ما، وهو مدان أيضا إن لم يصحح المغلوط، ويشخِّص الهفوات لعامة القراء متعلمين
ومتخصصين.