استراتيجية اقتصاد المعرفة

اقتصادية 2025/03/03
...

محمد شريف أبو ميسم




تسعى الدول جاهدة من خلال مؤسساتها العلمية والبحثية والتطبيقية - وفي دول عديدة بمشاركة القطاع الخاص - إلى وضع استراتيجيات خاصة بمتبنيات اقتصاد المعرفة بوصفه العمود الفقري لكل مفاصل التطور وجميع أنواع الأنشطة الاقتصادية الحديثة.

إذ لا قطاعات صناعية ولا زراعية ولا مالية ولا حتى سياحية يمكن أن تواكب نظيراتها في بلدان العالم الأخرى دون اعتماد مدخلات اقتصاد المعرفة وعملياته ومخرجاته، فما بالك بالتسارع العلمي والتنافس على المعرفة، في وقت عرف فيه هذا الاقتصاد بوصفه اقتصاداً احتكارياً، وإن مخرجاته القائمة على المعرفة هي القابلة للتسويق فقط، ومن هنا تبرز أهمية وجود استراتيجية وطنية لاقتصاد المعرفة.

وهذه الأهمية غير قابلة للتأجيل في عموم البلدان وهي بصدد الابقاء على سيادتها والنهوض باقتصادياتها في زمن تتسارع فيه مخرجات المعرفة، عبر تحديد مسبق لآليات الاستراتيجية التي يتم اعتمادها، والإصرار على تنفيذ مفرداتها عبر الاهتمام بالجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات ذات الصلة بهذا الاقتصاد من أجل تحفيز ثقافة الابتكار والتميز بين الدارسين والباحثين والمهتمين بالشأن العلمي واحتضان الطاقات البشرية، بما يخدم برنامجها في سياقات التطور واللحاق بالركب العالمي، فيكون النمو الاقتصادي للدولة وتحقيق التنمية المجتمعية تحصيل حاصل لهذه الاستراتيجية. 

وقد حاولت بعض الدول الخوض في هذا الشأن اعتماداً على قدرتها المالية في شراء التكنلوجيا، فأنشأت الاقتصاد القائم على المعرفة، وهو اقتصاد يعتمد على ما ينتجه اقتصاد المعرفة، إذ إن المادة الخام والعمليات والمخرجات لهذا الأخير هي المعرفة والاستثمار في الطاقات البشرية، وليس شراء التكنولوجيا فقط. 

وبناء عليه فإن ما تسعى إليه الدول في سياق إدخال التقانات وتقديم الخدمات التكنولوجية والخدمات الرقمية، قد يُسهم في خلق بيئة محفزة لمجتمع معرفي تنتشر فيه وسائل الاتصال الحديثة وتكون فيه التبادلات والتداولات وعمليات الإنتاج قائمة على تكنولوجيا المعلومات والخدمات الرقمية ولكنها ستبقى قائمة على منتجات المعرفة التي يتم استيرادها، وأسيرة لما يقدمه اقتصاد المعرفة الذي تحتكره الجهات الدولية الأخرى. 

وبحسب تجارب عالمية فإن رصد الأموال للمؤسسات العلمية والبحثية، والاستثمار في الطاقات البشرية، والاهتمام بالنشء الجديد ورعاية المبدعين والعباقرة في الشأن العلمي كان مفتاح باب الدخول لهذا الاقتصاد وخلق قفزات نوعية في مستويات التعليم وتطبيقاته، حينها تتبلور ملامح هذه الستراتيجية بشكل أدق عبر مراحل إنتاج وصناعة المعرفة وتطويرها من خلال الاكتساب والبحث والابتكار العلمي المتواصل ثم توظيف المخرجات من أجل تنمية شاملة ومستدامة في أجواء من التفوق.