خطة ترامب لغزة.. ترحيلٌ مستحيلٌ أم ورقة مساومة؟

آراء 2025/03/04
...

  محمد علي الحيدري


مع عودته إلى البيت الأبيض، أعاد دونالد ترامب طرح فكرة إعادة توطين سكان غزة في دول أخرى، وهي خطة تبدو أقرب إلى مقامرة سياسية منها إلى مشروع قابل للتنفيذ. الفكرة، التي روّج لها بعض المقربين من ترامب، تصطدم بعقبات دبلوماسية وإنسانية تجعلها موضع جدل عالمي، وسط رفض واسع النطاق من الدول المعنية، ومخاوف من تداعياتها على استقرار

 المنطقة. ترامب، الذي وصف غزة في تصريح سابق بـ”المكان الذي لا يمكن العيش فيه”، طرح رؤيته لما اعتبره “حلاً جذريًا”، والتي تقوم على نقل أعداد كبيرة من سكان القطاع إلى أماكن أخرى، مع تحويل غزة نفسها إلى وجهة سياحية واستثمارية. ووفقًا لـمصادر غربية، فإن الخطة تضمنت مقترحات بتوطين الفلسطينيين في سيناء المصرية، أو في مناطق داخل الأردن، وهو ما قوبل برد فعل حاد من الحكومتين المصرية والأردنية اللتين أكدتا رفضهما القاطع لأي شكل من أشكال إعادة التوطين القسري.

لكن غياب الدول المستعدة لاستقبال سكان غزة لم يمنع إدارة ترامب من البحث عن خيارات أخرى. فصحيفة نيويورك بوست نقلت عن مصادر مقربة من البيت الأبيض أن دولًا مثل ليبيا والسعودية وحتى بعض الدول في أميركا اللاتينية نوقشت كوجهات بديلة، رغم عدم وجود أي التزام رسمي من هذه الدول. في الوقت نفسه، تسعى إسرائيل إلى دفع هذه الخطة قدمًا، إذ أظهر استطلاع للرأي نشرته الصحيفة ذاتها أن 68 % من الإسرائيليين يؤيدون فكرة إعادة توطين سكان غزة خارج القطاع.

الوسائل التي يعتمد عليها ترامب لتنفيذ خطته تتجاوز الضغط الدبلوماسي إلى التلويح بأدوات اقتصادية أكثر صرامة، فبعض التقارير نقلت عن مسؤولين مصريين أن واشنطن لوّحت بإمكانية تقليص المساعدات الاقتصادية لمصر والأردن إذا استمر رفضهما للخطة. كما تراهن إدارة ترامب على إقناع دول خليجية بتمويل عمليات إعادة التوطين مقابل امتيازات سياسية واقتصادية، وهو ما يجعل من المشروع، رغم تعثره، ورقة مساومة أكثر منه خطة قابلة للتطبيق في المدى المنظور.

في المقابل، يقف الفلسطينيون أنفسهم كحجر عثرة رئيسي أمام هذه الرؤية. فجميع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك السلطة الوطنية وحركة حماس، رفضت الفكرة باعتبارها “استكمالًا لمخططات التهجير القسري”، وفقًا لما أوردته الواشنطن بوست. وحتى على الصعيد الدولي، يواجه المشروع صعوبات قانونية، إذ ترى الأمم المتحدة أنه يتعارض مع قراراتها الخاصة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، ما يعقّد أي محاولة لفرضه عبر القنوات الدبلوماسية

 التقليدية.

في ظل هذا الواقع، يبدو أن خطة ترامب لإعادة توطين سكان غزة ليست سوى فكرة غير قابلة للحياة في شكلها الحالي، لكنها قد تبقى أداة ضغط سياسية تستخدمها واشنطن وإسرائيل في المفاوضات القادمة. وبينما يتزايد الرفض لها من قبل الأطراف المعنية، يظل السؤال الحقيقي: هل سيواصل ترامب المضي قدمًا في هذا المشروع، أم سيبقى مجرد تهديد سياسي في إطار صفقاته المستقبلية؟