علي الخفاجي
التنمية بجميع أشكالها أصبحت من الضروريات الملحة لبناء المجتمعات، لاسيما وانها تسعى لتطور شامل أو جزئي للبيئة المحددة في المجتمعات، حيث تتخذ أشكالا مختلفة تهدف إلى الارتقاء بالوضع الإنساني بما يتوافق مع احتياجاته العامة، هدفها تقوية الاواصر المجتمعية، وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية، وبما أنها كذلك، وما دمنا نتحدث عن جزئية من جزئيات التنمية وهو ما يخص الفرد كونه جزء من مجتمع، فبالتالي أن عملية ارتقاء المجتمع إلى نحو أفضل هو من أولويات التنمية المجتمعية وتوظيف ذلك المجتمع نحو الافضل كون المجتمع يتكون من أفراد وسلالات مختلفة.
القبيلة أو العشيرة تعتبر ركيزة من ركائز المجتمع، حيث دائماً ما كانت العشائر عنصراً مهماً من عناصر الضبط المجتمعي، في ظروف معينة، وخاصة في فترة ضعف أو غياب سلطة القانون وخلال فترة الأزمات والصراعات، وبالإضافة إلى ذلك أنها تمثل حائط الصد للذود عن البلد في أحلك الظروف والشواهد كثيرة بدءا من ثورة العشرين وتصدي المجتمع العشائري للاحتلال البريطاني، مروراً بالعديد من المواقف التي تعرض لها البلد وكان آخرها التصدي لعدوان داعش الإرهابي، حيث إن مواقف العشائر بالوقوف مع القوات الأمنية كان موقفا مشرفا يشهد له القاصِي والداني واصبحوا بتصديهم وقتالهم للجماعات الإرهابية مضرباً للأمثال وعنواناً للشجاعة.
الحديث عن الاقتتال العشائري الداخلي في مناطق معينة اصبح واضحاً للعيان، وبات يؤرق المجتمعات التي تسكن تلك المناطق مما يولد المزيد من الخوف والهلع لأسباب قد تكون في كثير من حالاتها غير منطقية ولا تستوجب مثل هكذا اقتتال وإزهاق بالأرواح، أقل ما يمكن أن توصف ويقال عنها بانها ظاهرة سلبية تهدد السلم الأهلي، وبالتالي تهدد الأمن والاستقرار في هذه المجتمعات، بالأخص تلك التي يحدها ويجمعها الروابط الأسرية والعشائرية، لأسباب مثل النزاع على الموارد الزراعية أو المائية مما تنشب بسبب ذلك خلافات حول الاراضي والمياه، أو بسبب التقاليد القبلية والثأر والتي تعد من العادات المتجذرة في بعض المجتمعات مما يؤدي إلى استخدام العنف لحل النزاعات وغيرها الكثير من الاسباب التي لا تستوجب كما ذكرنا إلى مثل هكذا افعال غير مقبولة عرفــاً وقانوناً، على الرغم من المحاولات الجادة التي فرضتها المؤسسات الامنية على مدار السنوات السابقة لردع اصحاب تلك الافعال والتي نجحت في بعض منها، لكن الضرورة الحتمية التي يجب أن تكون تتمثل بزيادة الزخم الحكومي وبالتالي ضرورة فرض القانون وتعزيز سلطته والذي يعتبر الحل الأسلم والأنجع، ويتم ذلك من خلال فرض عقوبات صارمة وحقيقية لمفتعلي تلك الأزمات والمتورطين في النزاعات، وحسن ما فعل مجلس القضاء الأعلى بإصداره أعماما لمحاكم الاستئناف في عموم البلد قبل سنوات باعتباره التعامل مع ما يسمى (الدكة العشائرية) على أنها تعامل معاملة الإرهاب، اليوم اكد هذا الموضوع بإصداره أعماما يؤكد على هذا الامر واعتبره من الضروريات ويجب اتخاذ الاجراءات المناسبة للقضاء على مثل هكذا ظواهر، هنا وتأكيدا على أهمية الموضوع لا بد من ان تكون المسؤولية مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع ويأتي ذلك من خلال زرع مفهوم المواطنة والانتماء والولاء للدولة للحد من هذه الظاهرة والعمل على تأسيس مجتمع يعتمد الحوار بدلا من العنف، والقانون بدلاً من الثأر، لأنه لا سبيل ولا خلاص لتحقيق التعايش السلمي والتنمية المستدامة إلا بتلك المفاهيم.