هل ستودع جبال قنديل بنادق أوجلان؟

آراء 2025/03/05
...

 د. صادق كاظم 


من أصعب الأمور على الدول أن تقيم جماعات مسلحة على أراضيها بالرغم منها، وتقاتل عليها دولة مجاورة اخرى وهو ما يحصل بالضبط مع العراق الذي وجد نفسه امام واقع مفروض عليه، من خلال وجود غير شرعي لعناصر حزب العمال دفعت بأنقرة لأن ترسل جنودها إلى العراق لملاحقتهم وضرب مدنه وقراه الحدودية، فضلا عن إقامة معسكرات دائمة لقواتها على أرضه. أوجلان الذي بادر هذه الايام لدعوة انصاره إلى القاء السلاح والاتجاه إلى النضال السلمي والقبول باستقالة قضية أكراد تركيا لأسباب عدة يطمح بدوره إلى تنازلات تركية تكون ثمنا لسلام يقدمه مجانا ومن دون الحاجة إلى الحروب والقتال، فضلا عن منح قضية الاكراد بعدا سلميا والتي سبق وان واجهتها تركيا ومنذ ثمانينيات القرن الماضي بالقوة والعسكرة والجيوش وهي أيضا قد بدأت تأخذ منحى جانبيا اخر بعيدا عن لغة القوة والمواجهات الدامية والميل باتجاه العقلنة والحكمة 

لحلها. 

العراق المعني بالأزمة الكردية في تركيا بحكم الجوار الجغرافي والعلاقات الدقيقة والحساسة مع انقرة واحتكارها لملف المياه ونقل البترول عبر موانئها على البحر المتوسط حتما سيريحه مثل هذا القرار، اذا صدقت النوايا وكان هناك عزم مشترك من قبل الطرفين الكردي والتركي على تنفيذه حرفيا فانه  ايضا سيزيح عقبة مهمة في مسار العلاقات وسيوفر الامن لحدود العراق الشمالية وسيقطع ذريعة مهمة كانت تتخذها انقرة سببا للتوغل في عمق اراضيه وقصف قراه ومناطقه الحدودية، إضافة إلى ذلك  إمكانية إزالة القواعد والمعسكرات التي اقامتها انقرة على اراضيه من اجل مطاردة حزب العمال وإغلاقها بكل 

نهائي. 

سنوات عديدة ومواجهات دامية كانت قد جرت بين الطرفين الكردي والتركي على ارض العراق التي كانت ملاذا لعناصر حزب العمال من دون ان يتغير الواقع الميداني فالجيش التركي وإن نجح في إبعاد الكرد من عمقه الجغرافي الداخلي ومقاتلتهم خارج الحدود الا ان ذلك لم يكن كافيا للقضاء على نفوذ حزب العمال بشكل نهائي، خصوصا وان حرب العصابات التي يتقنها الاكراد  قد ارهقت الجيش التركي ولم تمنح الرئيس اردوغان النصر الذي يبحث عنه منذ سنوات طويلة.  سياسيا تعاملت الحكومة التركية مع القضية الكردية بحساسية مفرطة، حيث رفضت منحهم ومنذ البداية حقوقا ثقافية وسياسية واعتبرت مطالباتهم بذلك نوعا من انواع الانفصال يجب منعه مهما كان الثمن وهو ما تطور لاحقا إلى حركة مسلحة في أوائل ثمانينات القرن الماضي ليصبح بعد ذلك حرب وجود بين الطرفين استمرت حتى يومنا هذا لم يسلم منها حتى الجيران. من الواضح أن بيان أوجلان الأخير سيكون له صداه في بغداد حتما التي ترغب في ازاحة الاتراك من على حدودها وغلق ملف تواجد الحزب على الارض العراقية ويريحها كذلك من عبء المواجهة المسلحة مع الحزب، حيث تطمح أنقرة إلى تعاون ودور عراقي مسلح إلى جانبها يسهم في انهاء قواعد الحزب ورجاله المسلحين المتمرسين في جبال قنديل وسيفتح حتما الطريق لسلام واستقرار راسخ ومتين في المنطقة.