ترامب.. بين أوروبا وزيلنسكي

آراء 2025/03/05
...

 د. هاني عاشور 

 

مثلما انقسم الإعلام الدولي بين ترامب وزيلنسكي، بين من يرى ترامب المنتصر وزيلنسكي الخسران، انقسم الرأي الدولي بين أوروبا وأمريكا، فيما أخذت موسكو موقف المتفرج لهذا الانقسام الجديد في تاريخ العالم منذ الحرب العالمية الثانية، حيث كانت أمريكا واوروبا تمثل موقفا وسياسة وقوة موحدة أمام العالم. 

فبعد ساعات من المشادة الكلامية بين ترامب وزيلنسكي كما أحب الاعلام الدولي أن يصفها بهذا الوصف، حطت رحال زيلنسكي في لندن ليستقبله رئيس الوزراء البريطاني ستارمر، معلنا تأييده لأوكرانيا ويوقع اتفاقات جديدة معه، حيث استقبله بعناق حار وأكد له تضامن بريطانيا مع أوكرانيا، وسط احتشاد عدد من البريطانيين خارج مقر الحكومة البريطانية لينتهي اللقاء بتوقيع اتفاق قرض بقيمة 2.26 مليار جنيه إسترليني للاحتياجات العسكرية الأوكرانية.

واذا كان زيلنسكي خرج بهذا القرض من بريطانيا، فإن الرئيس الفرنسي لم يتوقف عن التصريح بدعم أوكرانيا وضرورة عدم الانقياد لأمريكا، فيما توالت الصحف الفرنسية دعم موقف زيلنسكي، ولتعتبر موقف ترامب مخجلا للتاريخ الأمريكي. وبعد ساعات من لقاء المشادة نشر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز رسالة على منصة إكس قال فيها إن إسبانيا تقف إلى جانب أوكرانيا، فيما قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أن زيلنسكي ومواطنيه الأوكرانيين “ليسوا وحدهم” في رسالة نشرها على منصة أكس بعد دقائق على مغادرة الرئيس الأوكراني البيت الأبيض: “عزيزي زيلنسكي، أصدقائي الأوكرانيين الأعزاء، لستم وحدكم”، من جانبها أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا دعم أوروبا الثابت للرئيس الأوكراني. وأكدا في بيان مشترك لزيلنسكي “لن تكون أبداً وحدك “، فيما قال المستشار الألماني شولتز: “يمكن لأوكرانيا الاعتماد على ألمانيا وأوروبا».وقال رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف: “دعم هولندا لأوكرانيا لا يتزعزع، وخصوصاً الآن”، وبدورها، تعهدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، “ أصبح واضحاً أن العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد. الأمر يعود لنا نحن الأوروبيين لقبول هذا التحدي”، مضيفة: “أوكرانيا هي أوروبا! نحن نقف إلى جانب أوكرانيا».

ويفسر الخبراء والمحللون أن أوروبا بدأت تتحصن ضد أمريكا الترامبية، وان الأزمة سوف تزداد في المرحلة، فإذا خسر زيلنسكي في المشادة الكلامية، فإنه ربح دعما أوروبيا مضافا، ليشيع أول انشقاق بين أوروبا وأمريكا منذ الحرب العالمية الثانية، فيما يمكن أن نرى انشقاقا وربما تآكلا في حلف الناتو الذي يهدد فيه ترامب أوروبا منذ بداية ولايته ويرى أن أمريكا اكثر من يتحمل تكاليف هذا الحلف. ولم يكن هذا الخلاف الاوروبي – الأمريكي هو ظاهر الأمر، فقد بدأ هناك انشقاق داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الكاتب الأمريكي المعروف توماس فريدمان يقول في مقال صدر بعد ساعات من مشادة ترامب – زيلنسكي، بأن ما قام به ترامب “  لم يحدث مثله من قبل في تاريخ الولايات المتحدة الممتد 250 عاما، وذلك بانحياز رئيسنا بوضوح إلى المعتدي والدكتاتور والغازي ضد الديمقراطي والمقاتل من أجل الحرية والمغزو” وليختم فريدمان مقاله “بأن هذا تحريف كامل للسياسة الخارجية الأميركية التي يمارسها كل رئيس منذ الحرب العالمية الأولى، وحذر الأميركيين من أنهم في مياه مجهولة تماما، بقيادة رئيس “لا أصدق أنه عميل روسي، لكنه بالتأكيد يلعب دور عميل روسي على شاشة التلفزيون»..

هكذا بدأت تصدر في امريكا مقالات تشكك في ولاء ترامب للحرية والديمقراطية وتتهمه بالعمالة لروسيا، وكأن ذلك يمكن أن يتحول إلى رأي عام أمريكي ضد ترامب، ربما سنقطف ثماره بعد حين، فيما بقيت الرغبة الاوروبية باستمرار الحرب ضد روسيا توفر دعما عسكريا وماليا وسياسيا لأوكرانيا دون أفق سلام قادم.