باول فارلي.. قفزات مثيرة من الخيال

ثقافة 2025/03/05
...

  جايد كاتل 

  ترجمة: شيماء ميران

 

تسترسل الأفكار المجرّدة للكاتب "باول فارلي" في مجموعته السادسة "عندما امطرت لمليون عام" كالسيل وعلى نحو واسع وبعيد ومذهل. في هذا العمل المذهل، يرتجع الدم وتمتلك اللغة بحد ذاتها وبطريقة ما عيونا، فكل كلمة على الصفحة "مراجعة للماضي، متحيّرة وكأنّها باقية في مكانها على مسافات ما بين حركات الريشة عند الكتابة". 

من الناحية الجغرافية، تعد "المسافات" التي تمتدُّ إليها هذه القصائد غير ملحوظة. ولكون "فارلي" مغرم بمواقف السيارات المتسخة وأبراج التبريد وصناديق البريد وآلات النسخ وسيارات الأجرة وفوهات المداخن، فلا يمكنني دائماً رؤية الجمال الذي يراه في جداول الحافلات أو في دراسة الكراسي المكدّسة. ولكن على الرغم من أن قمّة السحر في زيارة سريعة الى اللون الرمادي القاتم لمطار هيثرو، فإنَّ الانقلاب على الفخامة تجعل صوره أكثر سمواً. ففي إحدى القصائد، يرفُّ العلم بنحو لا يُنسى مثل كومة حرير على سرير من المسامير، او شلال في مسرحية صامتة. ولكونه كثير الاهتمام بالمناطق الصناعية فهو يبحث في الظلام لفترة وجيزة، حيث ينمو نبات السرخس العملاق في منطقة "كينغ كاربون" ببريطانيا. ما يعد انحرافاً صارخاً عن كتابه الخامس السابق، الذي تناول موضوعة الطيور (The Mizzy 2019).

أكثر ما يذهلني هو تأمل "فارلي" في مسألة الزمن التي تعود الى آلاف السنين، والتساؤلات، ما هو الوقت؟ وأين يذهب؟ وماذا نفعل في ظله الطويل؟ ومن حيث المعنى الزمني فان "المسافات" التي يغطيها كتاب "حين أمطرت لمدة مليون عام" هي الأكثر إثارة للدهشة. يرسل متحدث  The Workaround رسائل بريد الكتروني الى القرن الثامن على أمل أن يأخذ ورقة مضيئة من "كتاب بيدي". انتقل سريعا الى الوقت الحاضر في "The Gorilla" ونحن نجلس بشكل محرج في غرفة انتظار، معزولين عن الواقع وتذكيره المعتاد. "هنا في اللوبي حالة من الغموض، في انتظار الحصول على الدخول [ ...] والوقت خارج عن السيطرة". ينحني المفهوم بين يديه مثل غصن في مهب الريح ويبدو انه لا ينكسر أبدا.

يمتلك المتحدث موهبة في جعل الأمور العادية تبدو سحرية سواء كان طلب سحب من البنك أو يخسر خاتم زفاف، أو يشتري جهاز كمبيوتر جديداً أو يقرأ الطباعة الصغيرة على علبة الخوخ. حتى قصيدته عن غلاف الفقاعات بعيدة كل البعد عن كونها عادية، إذ أن كل جيب هوائي بلاستيكي يصبح وقفة تحطم المنظور. ويسميها "بقعاً من الزمن" على اسم "ويليام وردزوورث"، الذي كتب عن اللحظات الصغيرة ولكن المهمة التي تشكل حياة الإنسان. مع انفجار كل فقاعة وانتفاخها، يذكرنا "فارلي" بقُصر الوجود، قبل أن يجذبنا التشتيت الحاد للخبز المقلي إلى الأرض مرة أخرى.

هناك خيط ميتافيزيقي قوي في هذه القصائد إذ نلتقي بمجموعة من الشخصيات الأدبية، من "اوفيد" إلى "جون كلير" عندما هرب من اللجوء وتوقف لتناول العشب. بينما هذه القصة مبنية على الانجاز الحقيقي الذي حققه كلير عندما سار 161 كم تقريباً الى منزله لمدة أربعة أيام بلا مال، واضطر الى أكل العشب على جانب الطريق والذي لحسن الحظ وجده لذيذاً مثل الخبز، لكن استمتعت باللحظات التي يلعب فيها "فارلي" بنوع من الحرية الشعرية، واقبل بسعادة الاستفزاز لإعادة تصور "أوليفر تويست" وهو يسير على الطريق السريع M62 في قراءة متأنية.

لقد اسعدني وأزعجني التمرد الأدبي الصاخب في "هجوم القصيدة التي يبلغ طولها خمسين قدما". وعلى الرغم من بطلها المتغوط، وهو مخلوق ينتقد الوحشية المطلقة للتعبير الإبداعي، فإن شعر فارلي مثل كل "كلمة" يعمل عليها "يتحرر من غلافها الحلو"، يظل ببساطة متعة للاستهلاك. والقفزات البهلوانية في خيال "فارلي"  تجعله رحلة مثيرة، وكما في "الغواص الشمالي العظيم"، "يرسل موجة عبر قلبك".

عن الغارديان