رحيم عزيز رجب
ابتدأ استخدام مفهوم التوازن في العلوم الطبيعية الصرفة، والعلوم الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية ويستعمل لوصف سياسات الدول التي تستهدف تحقيق هذا التوازن. فالإنسان يميل دوما إلى الصراع مع أقرانه للبحث عن المنفعة، أو دفاعا عن أمنه وطمعا في المجد، إذ مثلت حالة الطبيعة وضعا دائما وثابتا في العلاقات الدولية عبر ذلك
وعن محاولة الدول للبحث عن التوازن في ما بينهما من أجل منع سيطرة دولة واحدة على العالم. فإن التوازن ليس سياسة بحد ذاتها والتي تسعى إلى تحقيقها دائما وتجاهد من اجلها، فالدول لا تسعى إلى التوازن فقط. بل تسعى إلى التفوق والهيمنة مما تؤدي إلى نشوء توازن القوة. فتوازن القوة ليس حالة مقصودة لذاتها بل هي حالة يتوصل إليها بشكل عرضي، من خلال السعي للتفوق. فالدول الساعية إلى التفوق تجد نفسها في وضع الدول المتوازنة في لحظة تاريخية (ما) مع بعضها والبعض الآخر، كون بعضها أقوى من البعض الآخر. فالتاريخ الدبلوماسي ما هو إلا سلسلة من التحالفات والتكتيكات المتوازنة.
وعليه فإن التوازن القوى، مصطلح أساس في العلاقات الدولية يرتبط بالقوى النسبية فيما يخص علاقتها مع بعضها البعض، كما أن له مركزية خاصة بالنسبة إلى الحسابات الحقيقية.
ثم تعد التحالفات الاقتصادية والعسكرية مثل حلف شمال الأطلسي.NATO، والاتحاد الأوروبي... الخ شديدة الأهمية بالنسبة إلى التحكم في توازن القوى.. تقول مستشارة الأمن القومي السابق ( كوندليزا رايس ) ينبغي عدم النظر بمثالية إلى فكرة توازن القوى، كإحدى أبرز آليات العلاقات الدولية بهذه الفكرة فهي استعملت بأشكال متباينة في مختلف العصور، حيث استخدمت فكرة توازن القوى أحيانا بمعنى القدرات العسكرية والاقتصادية والجيوستراتيجية، أي التوازن الفعلي للقدرات بين الخصوم والمتنافسين، كما استخدم مصطلح توازن القوى أيضا بحسب ( رايس ) للدلالة على استراتيجيات تهدف إلى منع قوة مهيمنة، إذ إن توازن القوى بين الفاعلين المؤثرين على القضايا التي يشهدها النظام الدولي له أهمية كبيرة في تحقيق السلم والأمن الدوليين. وما له من انعكاسات هامة على تحقيق مصالح الدول وشعوبها في ظل تجاذبات اطراف العلاقات الدولية ما بين تعاون وصراع في ظل كل طرف يسعى إلى تحقيق مصالحه القومية أن من أبرز استمرار حالة عدم الاستقرار والشد، والجذب في المنطقة العربية والشرق الاوسط هو اختلال توازن
القوى.
ما يجعل أي تدخل خارجي أو حتى عمل إقليمي عنصر بالغ التأثير على الاستقرار الإقليمي.. وتوازن القوى لا يقتصر على تعادل القوة العسكرية فقط وإنما هو مفهوم أوسع من ذلك، إذ يتسع فتشمل التوافق الدولي على هذا التوازن الإقليمي.
وإن لم يكن هناك توافق دولي فلن تنفع اي دولة تمتلك تفوق عسكري اقليمي ولا تمتلك توافق دول لدعم الاعتراف برعايتها لتوازن القوى الإقليمي. وهذا يدخل صلب الإشكالية التي تعاني منها
المنطقة.
إذ ترى تأثير اختلاف الإدارات الأمريكية على استقرار المنطقة على الرغم من امتلاك دول مجلس التعاون من الامكانيات ما يمكنها من تحقيق توازن ايجابي لصالحها، على ان مفهوم توازن القوى ( الايجابي ) هو ان يكون ميزان القوى لصالح، وفي يد الدول الايجابية والتي تسعى لتحقيق التنمية والرفاه والاستقرار للمنطقة وشعوبها ولا تمتلك مشاريع توسعية، ولا أيديولوجيا تسعى لفرضها بالقوة على الإقليم. ويتحقق الاستقرار عندما تستطيع القوى الإقليمية مما يضمن لها الاستقرار المنشود ويعزز مصالحها وتمتلك أدوات التأثير وتغير الموازين لتعديل كفة الميزان متى ما مالت في الاتجاه السلبي، وبذلك تكون توازن القوى في يدهم ولا علاقة له بتعادل الامكانيات والقدرات مع الطرف
الاخر.
وعليه على الدول امتلاك كافة ادوات القوى لكي تحافظ على مصالحها واستقرارها وتوسع من نفوذها، فتخلي الدول عن السعي لامتلاك هذه الادوات يكون غالبا عنصر قوة ونفوذا وهيمنة على المنطقة، وتتحول الدول المقابلة من دول فاعلة إلى دول تواجه تحديات وجودية خطيرة.