رامية منصور
"أنا رسّام، لا أعتبر نفسي فنانًا. أرسم فقط الصور التي أود رسمها، خارج أي مفهوم أو سياق في ذهني".
ساكاموتو ولوحاته المعقدة والنابضة بالحياة التي تشبه الأحلام هي واجهات لمشروع ضخم قائم على ابتكار أعمال تواصل التقاليد الغنية للسريالية في المكسيك لكن برؤى فنية تزاوج بشكل فريد بين موضوعات وإيقونات من الثقافة اليابانية وطرائق وبنى الفن الشعبي المكسيكي والتصوير ما قبل الكولومبي والروح الثقافية المعاصرة. وهذا يعكس تلاقح تراثه ويخلق اندماجًا مميزًا فريدًا مذهلًا بصريًا وملهمًا ومؤثرًا عاطفيًا.
يوي ساكاموتو هو صاحب رؤية ربطت بين عالمين، حين تقف امام أعماله تشعر بالانبهار من كمية الجهد الذي بذله والذي يتسم بالدقة والتعقيد والاهتمام البالغ بالتفاصيل، وتدهشك قدرته غير العادية على نسج خيوط السريالية اليابانية والمكسيكية معاً، مما يخلق لغة بصرية مميزة تحاورك من بعد خفي.
إنّ صدق أعمال ساكاموتو وأصالتها تشدّك إلى عالم رجل راسخ في هويته الثقافية، وهو عالم يبدو باطنيًا حيث يلتقي الخيال والواقع في تناغم مذهل يقدم ضمن مزيج منسوج بحرفية عالية من التقنيات الدقيقة للفن الياباني القديم والمتأخر والعناصر الجريئة الشبيهة بالحلم للسريالية المكسيكية.
غالبًا ما تصور لوحاته مناظر طبيعية خيالية حيث تسبح أسماك الكوي جنبًا إلى جنب مع الجاكوار، وتحلق التنانين فوق انبساط الصحراء، وتخرج الجماجم، التي ترمز إلى كل من الثقافة المكسيكية والأساطير اليابانية، من العتمة. تتكرر البصمة الزخرفية في جميع أعماله وهي بمثابة شهادة على موقع تراثه ضمن تراث شعوب العالم، وتعبير عن فهمه العميق لأهمية الجانب الرمزي في
الحياة.
لوحات ساكاموتو ليست مجرد مشاهد بصرية، بل هي تشابك معقد لقصص تجوب موضوعات الحب والموت والقلق الإنساني تم اختيارها بعناية وتمثيلها على هيئة شعر بمعمار بصري محتشد سيميائيا بأجواء زاخرة بألوانها الزاهية وتفاصيلها التي لا تنتهي، تفاصيل تستدرج المتلقي إلى عالم يختلط فيه الواقع بالخيال. إن كل عنصر في لوحته يحمل معنى قد يدعم معنى العناصر أو يعارضها أو يهزأ بها، وكل لون اختاره ساكاموتو بعناية لإحداث تأثير وجداني أو استجلاب ذكرى معينة، معبرًا عن براعته في فهم التقاليد السريالية في المكسيك وتعشيقها بسلاسة مع الدقة المنضبطة للرسم الياباني ليخلق عملًا فنيًا مختلفًا وجميلًا بشكل
مذهل.
إنّ أعمال يوي ساكاموتو ليست مجرد انعكاس لتراثه الثقافي الخاص؛ بل إنها احتفال بنوع نادر من الجمال ينشأ عندما تصطدم عوالم مختلفة. ويذكرنا عمله بأن الفن لديه القدرة على تجاوز الحدود، وجمع العناصر التي تبدو متباينة في كل متماسك يتحدث عن عالمية التجربة الإنسانية التي يتكون نسقها المنسج على بساط من الفوضى العارمة والقلق الدائم.. إن العالم تتقاسمه الصراعات، ولكننا نجد القيمة الكونية العليا في التصالح مع عيوبنا وقبول عيوب الآخر والعمل على إصلاح ما ينكسر فينا وحولنا وإيجاد قيمة جمالية في كل ذلك.. إن ساكوموتو يعمل بشكل أو بآخر وفق رؤية الكينتسوغي التي تختط طريقة في الحياة تقول بأن ما من أحد مثالي وما من طريق مستقيم في الواقع، وأن أصعب تحدياتك وأعمق جراحك وأعظم صراعاتك هي في الواقع من بين أجمل وأثمن وأعجب ما فيك.
في الختام لا بدَّ من الاعتراف بكون يوي ساكاموتو امتلك رؤية تذكّرنا دائمًا بأن العالم هو مكان يختزن إمكانيات لا حصر لها، مكان يفوق حدود واقعنا الضيقة، كما قال شوبنهاور ذات مرة: "معظم الناس يعتبرون أن حدود رؤيتهم هي حدود العالم الضيقة، قليلون هم من لا يفكرون بهذه الطريقة، لأنهم يدركون أن الوجود لا حدود له، فكن واحداً من
هؤلاء".