محمد علي الحيدري
في 5 مارس 2025، أصدرت المحكمة العليا الأميركية قرارًا برفض طلب إدارة الرئيس دونالد ترامب بتجميد نحو ملياري دولار من المساعدات الخارجية، ما اعتُبر انتصارًا قانونيًا وسياسيًا للمنظمات المستفيدة من تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). القرار الذي جاء بأغلبية 5 مقابل 4 أصوات، أكد التزام الحكومة بتعهداتها المالية، وأعاد الجدل حول حدود سلطة الرئيس في التحكم بميزانية المساعدات الخارجية.
يعكس هذا القرار توازن القوى بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، إذ رأى القضاة المؤيدون أن الالتزامات المالية للحكومة، التي أُبرمت بموجب عقود سابقة، لا يمكن إلغاؤها من خلال قرارات تنفيذية دون سند قانوني. انضم القاضيان المحافظان جون روبرتس وإيمي كوني باريت إلى الليبراليين في دعم القرار، ما يظهر توجهًا للحفاظ على استقلالية القضاء أمام التدخلات التنفيذية. في المقابل، عارض القاضي صامويل أليتو وثلاثة قضاة محافظين آخرين الحكم، معتبرين أن القاضي الفيدرالي الذي أصدر القرار تجاوز صلاحياته بإجبار السلطة التنفيذية على إنفاق أموال لم توافق عليها الإدارة الحالية، في خلاف يعكس الجدل الدستوري المستمر حول حدود سلطة الرئيس في توجيه الإنفاق العام.
من الناحية السياسية، يأتي قرار المحكمة العليا في سياق صراع أوسع بين إدارة ترامب والمؤسسات الفيدرالية حول مستقبل المساعدات الخارجية. منذ عودته إلى البيت الأبيض، تبنّى ترامب خطابًا أكثر تشددًا تجاه الإنفاق الحكومي، مشددًا على ضرورة تقليص الدعم الخارجي لصالح تعزيز الإنفاق المحلي. كان تجميد هذه المساعدات جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة هيكلة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والتي وصفها الملياردير إيلون ماسك، أحد أبرز داعمي ترامب، بأنها "منظمة إجرامية" يجب تفكيكها.
يمثل الحكم ضربة لجهود الإدارة في إعادة رسم أولويات الإنفاق، إذ يُلزمها بصرف المساعدات التي تم تعليقها، مما يعيد الحياة إلى مشاريع تنموية حيوية متوقفة منذ شهور. يشمل ذلك محطات الري في أوكرانيا، وشبكات المياه في نيجيريا، وبرامج مكافحة الملاريا في إفريقيا، وهي مشاريع كان تعليقها قد أثر سلبًا في سمعة الولايات المتحدة في الدول المستفيدة. استئناف هذه البرامج قد يعزز النفوذ الأميركي في المناطق التي تتنافس فيها قوى كبرى مثل الصين وروسيا على توسيع حضورها الاقتصادي والدبلوماسي.
رغم أن الحكم يُجبر إدارة ترامب على تنفيذ التزاماتها المالية السابقة، فإنه لا ينهي الجدل الدائر حول مستقبل المساعدات الخارجية. من المتوقع أن تسعى الإدارة إلى تقليص التمويل عبر وسائل أخرى، مثل تعديل الميزانية أو إصدار أوامر تنفيذية جديدة تحد من قدرة الوكالة على إبرام عقود جديدة. في الوقت ذاته، قد يدفع هذا القرار الكونغرس إلى التدخل لوضع إطار قانوني أكثر وضوحًا يمنع الرئيس من تعليق أموال مخصصة مسبقًا، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فيما يخص الإنفاق الحكومي.
يؤكد قرار المحكمة أن الالتزامات المالية للحكومة لا يمكن التراجع عنها بقرارات إدارية، مما يعزز منطق الفصل بين السلطات ويدفع باتجاه الحفاظ على التوازن الدستوري في صنع القرار المالي. في الوقت نفسه، يفتح القرار الباب أمام معركة سياسية أوسع حول أولويات السياسة الخارجية الأميركية، وحدود سلطة الرئيس في إعادة توجيه الموارد المالية، وهو نقاش قد يكون له تبعات أوسع على الإدارة الأميركية في السنوات المقبلة.