عالم الفيلة لا عالم الملائكة

آراء 2025/03/09
...

 نبيه البرجي

هكذا علّق عالم السياسة الأميركي ستيفن والت على تلك اللحظات الشكسبيرية في البيت الأبيض "لا يكفي أن يقول المفكر الفرنسي ريمون ارون إن الله بعث بسبعة أنبياء إلى أميركا لصياغة الدستور. كنا ننتظر أن يكون المولجون بتنفيذ الدستور بمواصفات الأنبياء".

صدمة في أنحاء مختلفة من العالم، لا سيما في الدول الأوروبية. من سنوات سأل ريجيس دوبريه، رفيق تشي غيفارا في أدغال بوليفيا، "الى متى نبقى القهرمانة في الحرملك الأميركي؟". هنا يعتبر والت، وهو داعية "الحقيقة الجديدة " (Neorealism )، إن هذه الطريقة بالذات ستجعل الكثيرين سيلاحقوننا بالحجارة"، ملاحظاً "إننا في القرن الحادي والعشرين لا في زمن قايين وهابيل. في هذه الحال علينا بالقوة الناعمة لكي ندخل في يوميات الأمم لا أن نغرز أظافرنا في وجوهها". خاطب ترامب بالقول "أيها السيد الرئيس ما زالت جادة ببنسلفانيا في هذا الكوكب لا في كوكب آخر...".

 رجل لا يريد فقط تسويق الثقافة الأميركية بالعصا وانما تسويق "الديانة الأميركية". لا أحد ذكّره بقول جيمس مونرو ( 1817 -  1825 )، لدى اطلاق "مبدأ مونرو"، "لندع الملائكة تجر هذه العربة لا التاريخ"، وقد رأى فيه، بضوضاء الدم في القارة العجوز، "الحوذي الشرير". بأسى قالت النجمة الهوليوودية ميريل سليب لا أنبياء ولا ملائكة في البيت الأبيض" !

 لن نسأل إلى أين تتدحرج الكرة الأرضية، ولطالما كانت كرة النار. نسأل إلى أين يتدحرج الشرق الأوسط الذي نعيد وصف المستشرق الأميركي برنارد لويس له بـ"العربة العتيقة التي تجرها آلهة مجنونة". من هي الآلهة المجنونة التي تجره الآن ؟ لندع الجثث التي تحت الأنقاض في غزة وفي لبنان هي التي تجيب. خواء أبوكاليبتي. لكأن المنطقة على كومة من الحطب. لا قبائل بدائية هناك ترقص حولها على قرع الطبول (موسيقى التام تام). إنها رقصة الأحذية الثقيلة داخل أرواحنا. في حديث له في "الباري ماتش" الفرنسية قال هنري كيسنجر "لا أدري لماذا يفترض بالشموع أن تبقى مضاءة فوق القبور على امتداد الشرق الأوسط". المفكر الفلسطيني ادوار سعيد سأله "... ولكن من حفر تلك القبور مستر كيسنجر؟".

 دائماً كان هناك من يعيد ضبط الايقاع بعد "ليل الشموع السوداء". في عام 1648، كانت هناك اتفاقية وستفاليا. وفي عام 1815 مؤتمر فيينا، لتعقب ذلك لقاءات فرساي (1919 ) ويالطا (1945 )، ثم هلسنكي (1975 ). اثر زوال الاتحاد السوفياتي بدأت الكرة الأرضية تدور على قرن وحيد القرن. بكل فظاظة سأل جون بولتون حين كان، لفترة، مستشاراً للأمن القومي في الولاية الأولى من عهد دونالد ترامب، كاهناً من هايتي "ألا يستحق الإله الأميركي الصلاة أيضاً؟".

 تلك الفوضى التي توحي بالليالي الليلاء التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية، هنا الاشكالية الفلسفية المثيرة حين تغدو الفوضى نظاماً لإدارة العالم. السبب في رجل أم في مؤسسة؟ ترامب يتصرف كديكتانور في أميركا وكأمبراطور في العالم. هذه هي المعادلة الراهنة التي تحمل أكاديميين في جامعات أميركية كبرى من بينهم باربرا غيدز التي تلاحظ أن أميركا 2025 هي غير أميركا 1776، لتضيف "حتى النصوص المقدسة يفترض أن تتفاعل مع جدلية الأزمنة. في هذه الحال كيف للمواد الدستورية ألاّ تتفاعل مع التغيرات السوسيوسياسية، والسوسيوتاريخية، التي تحدث في الدولة الأميركية، وحيث للإمبراطور أن يتخلى عن قبعة الكاوبوي".

 هنا إمبراطورية عظمى وصلت بالتكنولوجيا حد الايذان بحقبة ما بعد التاريخ، وحتى بحقبة ما بعد الزمن. هل يمكن أن تدار بصلاحيات الدوقيات الأوروبية في القرون الوسطى أو بصلاحيات التوتاليتاريات في العصور الحديثة. الآن، ثمة نموذج صارخ لرئيس لا يقيم فقط جداراً بين بلاده والمكسكيك، أو بين بلاده والقارة العجوز، وانما بين أميركا وسائر بلدان العالم. أعضاء جمهوريون في الكابيتول يشتكون من انه يتعامل مع الكونغرس كما مع منتجعه على ضفاف الكاريبي.

 كثيرون العالم في وصفوا المشهد في البيت البيضاوي بالمشهد السريالي. سفيرة أوكرانيا غطت وجهها خجلاً (أو بكاءً). عنوان في صحيفة Super Express البولندية "الرجل الذي تركنا عراة في غرفة القيصر". الأكثر من ذلك "شكراً للسماء لأن ترامب أمر بطرد زيلينسكي لا بقتله".

 لكنها "أميركا العظمى". ذات يوم قال جورج سوروس، قطب وول ستريت لرئيس وزراء بريطانيا جون ميجور "بحركة من اصبعي أجعل الاسترليني في القاع". معلق في "الايكونوميست" قال "شعرت كما لو إن تاج الملكة أصبح بين قدميها". الآن، بعد تلك "المشادة" بين الرئيسين الأميركي والأوكراني، كم هي التيجان التي كادت تقع أرضاً؟.