محمد صالح صدقيان
يتطلع المجتمع الدولي للقاء المهم الذي يجمع الرئيسين الامريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين بعد المكالمة الهاتفية، التي تمت بين الرجلين في الخامس من فبراير شباط الفائت والاجتماعات التي تمت على مستوى وزراء الخارجية في الرياض، وتلك التي كانت على مستوى الخبراء في الرياض واسطنبول في الوقت، الذي ما زالت الانظار متجهة إلى الملفات التي يريد الرئيسان بحثهما بعدما أصبح من الواضح أن المسألة الأوكرانية أصبحت في نهاياتها؛ فيما تشير المعلومات إلى أن المسألة الايرانية كانت حاضرة خلال المكالمة الهاتفية، التي جرت بين الرئيسين ترامب وبوتين.
مصادر مواكبة نقلت أن الرئيس الامريكي طلب من نظيره الروسي اقناع الايرانيين للقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل هذا الملف، اضافة إلى دعوة أصدقائه الإيرانيين إلى الحد من دعم محور المقاومة ضد اسرائيل. الرئيس بوتين وعد بمفاتحة طهران بهذا الطلب على أن تستكمل المباحثات بهذا الشأن خلال المباحثات المباشرة، التي ربما تعقد خلال الايام المقبلة؛ ولذلك كان هذا الطلب جزءا من المهمة، التي شد الرحال من أجلها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى طهران، والذي تحدث بشأنها مع نظيره الايراني عباس عراقجي اضافة إلى الرئيس مسعود بزشكيان. المسؤولون الايرانيون لم يغلقوا الباب أمام الضيف الروسي، لكنهم قالوا إن البيوت لها أبواب والفهيم من يستطيع أن يدخل هذه البيوت من ابوابها!.
وفي ظل هذه الاجواء اعلن محمد جواد ظريف معاون الرئيس الايراني للشؤون الاستراتيجية الاستجابة لطلب رئيس الجهاز القضائي محسني اجئي، الذي دعاه لترك منصبه والعودة إلى مدارج الجامعة لتخفيف الضغوط على الحكومة الايرانية على حد تعبير ظريف. وحسب المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني فان ظريف لم يقدم استقالته، حتى تكون على طاولة الرئيس لقبولها أم لا؛ وانما استبعد من قبل القضاء بطريقة تليق بشخصية ظريف السياسية والعلمية؛ على خلفية القرار الذي أصدره البرلمان الايراني بمنع اي شخصية من التعيين في مراكز رفيعة في الحكومة، إذا كان أحد أبنائه يحمل اقامة دائمة لدولة اجنبية أو جنسية تلك الدولة.
واذا كان صحيحا ان هذه الخطوة جاءت بعد زيارة لافروف لطهران، لكن مصادر ايرانية نفت أن تكون هذه الخطوة قد جاءت بطلب من موسكو على خلفية المعلومات، التي تتحدث عن وقوف ظريف وراء الجهود الرامية، لفتح باب المفاوضات مع الجانب الامريكي، وتحديدا مع ادارة الرئيس ترامب. لكن التيار الاصولي وتحديدا حزب بايداري "الصحوة" المتنفذ في اجهزة الدولة والنظام بما في ذلك مجلس الشورى البرلمان، نجح في الاطاحة به لأنهم يعتبرون جواد ظريف مهندس المفاوضات مع الجانب الأمريكي، وأن وجوده في كابينة الرئيس مسعود بزشكيان كانت من أجل صياغة مسار المفاوضات مع واشنطن.
لقد حاول الرئيس بزشكيان عدم الرضوخ للضغوط، التي مارسها الأصوليون، ورفض استقالة قدمها ظريف في آب اغسطس الماضي، لكن الأصوليين ذهبوا لقبة البرلمان لاستصدار قانون مفصل على مقاسات ظريف لإبعاده من الكابينة الوزارية، والذي وضع الرئيس بزشكيان في زاوية ضيقة بالمعاقبة في حال استنكافه من تنفيذ قرار البرلمان والذي ربما يؤدي إلى عزله!
المجتمع الايراني وتحديدا النخب الايرانية انقسمت إلى قسمين حيال خطوة ابعاد ظريف المرتبطة بالمفاوضات النووية، وبالتالي التي ترتبط بظروف المقاطعة الاقتصادية المفروضة على الاقتصاد الايراني. فالوسط الاول الذي لديه حساسية مفرطة من الولايات المتحدة، والتي ما زالت بعين هذا الوسط "الشيطان الاكبر"، فإنه تمسك بما قاله المرشد الاعلى الإمام علي الخامنئي عندما وصف المفاوضات مع واشنطن "غير مشرّفة". وعلى ذلك فان استبعاد ظريف من الكابينة الوزارية، هو استبعاد لخيار المفاوضات مع الولايات المتحدة، والذي يعتبر ظريف أحد آلياته المهمة؛ لأن هذا الوسط يعتبر المفاوضات مع الجانب الامريكي الذي لا يؤمن الا بالهيمنة والفوقانية ومصالحه الخاصة "مضيعة للوقت" ولا يخدم النظام السياسي في ايران.
أما الوسط الثاني فانه يرى في ظريف شخصية أكاديمية علمية مقتدرة تشكل "قيمة مضافة" لكابينة الرئيس مسعود بزشكيان ؛ وعلى ذلك استبعاد هذه الشخصية تعني ضياع فرصة من شأنها إزالة العقوبات الاقتصادية، ورفع الضغوط عن كاهل المواطنين الإيرانيين؛ اضافة إلى دوره في مساعدة الرئيس لحل وصياغة الملفات الاستراتيجية للبلاد، خصوصا في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والعلاقات الدولية.
وفي حقيقة الأمر فإن قضية ظريف لم تكن شخصية بقدر ماهي متعلقة بقضية اكبر ومرتبطة بالأمن القومي الايراني، والذي طلب الرئيس الامريكي ترامب التحدث بشأنها مع طهران، بالرغم من المعارضة الشديدة لها من قبل الوسط الأصولي، الذي يرى عدم جدوى الدخول بأية مفاوضات مع الجانب الامريكي؛ ساعده في ذلك مجريات اللقاء الذي حصل في البيت الابيض بين الرئيس ترامب وضيوفه امثال الرئيس الاوكراني زلنسكي والملك الاردني عبد الله بن الحسين.
وتعتقد أوساط دبلوماسية ايرانية ان فتح باب المفاوضات مع ادارة الرئيس ترامب ممكنة، لكنها يجب أن تجد لها الباب المناسب؛ وإن ظروف هكذا مفاوضات لم تنضج بعد؛ اضافة إلى أن وجود موسكو كوسيط لا يخدم المفاوضات، وانما يستطيع أن يكون عاملا مساعدا في ايجاد ارضية المفاوضات دون التدخل بها وبنتائجها لأسباب متعددة، أبسطها أن روسيا هي أحد اعضاء المجموعة، التي وقعت على الاتفاق النووي وما زالت عضوا في هذه المجموعة ما يفرض عليها اجواء لا تنسجم مع ظروف الوساطة؛ كما أن المفاوضات المباشرة بين طهران وواشنطن هي إحدى الركائز المهمة لنجاحها.
تبقى مسألة ارتياح الكيان الاسرائيلي لاستبعاد ظريف فذلك يعود بشكل واضح إلى عدم رغبته، بل معارضته لأية مفاوضات مع ايران لان ذلك " قد " يؤدي إلى اتفاق وعودة العلاقات الدبلوماسية وهذا ما لا يرتضيه الكيان، ويعتبره يتنافى مع مصالح أمنه القومي؛ اللهم إلا أن تكون المفاوضات تدخل من النافذة الاسرائيلية.