اللون الأرجواني في عالمٍ مليءٍ بالظلم

ثقافة 2025/03/09
...

  ميادة سفر    


تحضر المرأة في الأعمال الأدبية الأفريقية أو تلك التي تحكي عن عالم السود أو الملونين كما يطلق عليهم  مشكّلة محور العمل غالباً،  بسبب المعاناة الكبيرة التي تعيشها والاضطهاد والظلم الذي مورس وما يزال عليها، في رواية "اللون الأرجواني" للكاتبة الأميركية من أصل أفريقي "آليس ووكر" والصادرة عن دار المدى العراقية تظهر المرأة بطلة للحكاية من أولها وحتى آخر كلمة فيها بكل قهرها ومظلوميتها، بينما يظهر رجال ذكوريون يمارسون قسوتهم وعنفهم على تلك النسوة اللواتي ما لبثن أن اتحدن في مواجهة الظروف القاسية التي فرضها المجتمع والأسرة عليهن، استطاعت آليس ووكر في هذه الرواية أن تطلق العنان للمرأة لتعيش حياتها وتتمرد وترفض وتقاتل حتى الرمق الأخير دون أن يراودها اليأس أو تتغلب عليها الظروف لأنها قررت أن تتغير، أن تكون كما تريد.

تبدأ الرواية بعبارة قد تستفز القارئ وتفاجئه، لأن بطلتها سيلي قررت أن تكتب رسائل إلى الله "عزيزي الله" لأنها لم تجد سواه قادراً على الاستماع إليها، ويمكنها أن تبوح له بكل ما ينغص عليها حياتها وبكم الألم الذي تشعر به منذ اليوم، الذي تعرضت فيه للاغتصاب من زوج أمها الذي تربت على أنها والدها لنكتشف معها أنه ليس كذلك، مروراً بزواجها من رجل لم يرد منها، إلا أن تكون خادمة له ولأولاده ولقضاء حاجاته دون أن يلتفت لرغبتها وسعادتها "لا يبدو أنّ المشاعر تندرج ضمن حساباته" تقول سيلي، وصولاً إلى تخلصها من تلك الرواسب التي تراكمت عليها طيلة السنين حين قررت التمرد والاستقلال بنفسها وتحقيق الاستقلال المادي، الذي ساعدها في العيش بسلام بعيداً عن الرجال الذين لطالما رأتهم "كضفادع"، تحضرني هنا عبارة لنوال السعداوي "علموا بناتكم الاستقلال المادي حتى يبحثن عن رفيق للحياة وليس عن عائل"، وهو بالتحديد ما جرى مع "سيلي" حين استقلت مادياً تحولت العلاقة مع زوجها إلى صداقة، وتمكنا من الحديث في مواضيع كثيرة لم تكن لتجرأ على خوضها معه لسنوات خلت.

اتبعت آليس ووكر إذاً أسلوب الرسائل في محاولة لإيصال التي تريده للقارئ، ففي تلك الرسائل تبوح "سيلي" بكل تفاصيل الظلم والقهر والعنف الجسدي والجنسي، الذي تتعرض له المرأة في مجتمع السود، لنكتشف الشبه الكبير بين حيوات تلك النسوة اللواتي حكم عليهن أن يكن ملونات أولاً ويخضعن لسلطة المجتمع الذكوري المقيت الذي مارس كل أشكال الإذلال بحقهن، لكنهن لن يبقين ساكتات خانعات وخاضعات ومستسلمات، بل سيتمردن وسوف تدعم كل منهن الأخرى "عليكِ أن تناضلي" تقول لها أختها، وكأنّ "ووكر" تريد أن تخبرها بشكل غير مباشر أنّ الخلاص لا يكون إلا جماعياً، فحين انتفض السود جميعاً تمكنوا من تحقيق مكاسب عجز عنها الفرد الواحد، وكذلك النساء فإنّ اتحادهن أجبر الرجل على القبول بالواقع الجديد والتعامل معهن ككائنات لها وجود وكينونة عليه احترامها.

عرفت "آليس ووكر" بمناصرتها للقضايا الإنسانية ودفاعها عن المرأة وحقوق الإنسان حول العالم، ورفضها لممارسات الكيان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وقد كانت روايتها "اللون الأرجواني" واحدة من عدة روايات فضحت المجتمع البطريركي والعنف الممارس بحق المرأة، فاستحقت عليها الكثير من الجوائز منها جائزة "بوليتزر" عام 1983 وجائزة الكتاب الوطني في العام نفسه.