حجي المرشاوي
لملمة
يجالس أولاد المحلّة كلّ صباح. يستمع بلهفة إلى ضحكة (رامي). يغني بتلقائية مع (سمير). يتمشّى بهدوء و بهجة مع (صلاح). يقود دراجة هوائية بجانب (باسم). يصنع طائرة ورقية بمساعدة ( وائل). يتّفق مع (سهيل) على حمل حقيبة مدرسية والتظاهر بالذهاب إلى المدرسة. يلعب مع بقية الشلّة كرة القدم. يهدي (ريمة) وردتها الصباحية المعتادة. يفلح الأب السعيد كلّ يومٍ بلملمة أجزاء ابنه المبعثرة بين أصحابه.
انتفاخ
عندما اتفقتُ مع أصدقائي على إقامةِ أمسيةٍ شعريةٍ، تكلّمنا في البداية مع الشاعر (فلان) الذي هلّلَ لنا وطبّلَ وزمّرَ ثم طلبَ أن يكونَ أوّل من يلقي قصيدته. لمّا خاطبنا الشاعر (علان)، باركَ لنا عملنا وشجّعنا ثم أكّدَ لنا بأنه الأفضل وتستحق قصيدته أن تكون أولى الفعاليات. حين اتصلنا بالشاعر الثالث وافق على المشاركة بشرط أن يتواجد اسمه على رأس القائمة، لأنه لا يستطيع أن يرى اسما قبل اسمه اللامع. الشاعر الرابع أبدى لنا استعداده الكامل للتعاون والدعم لكنه برهن لنا على أحقيته في إلقاء أول قصيدة في الأمسية. اضطررنا صاغرين أن نعطي كلمتنا للجميع حرصا منا على إنجاح الفعالية التي طال انتظارها. في الأمسية الرهيبة والعجيبة، تفاجأ الجمهور الحاضر بعشرين شاعرا يمسكون بعشرين ميكروفون ويقرؤون قصائدهم في نفس الوقت. كان كلُّ من حضر يضحك على الفوضى الحاصلة، إلا تلك الفتاة الجالسة لوحدها على مقعد خلفيّ منزوٍ في الركن البعيد من القاعة. حين تنازل أحدهم عن كبريائه قليلا وسأل الفتاة عن هويتها، قالت: أنا القضية.
إشعاع
لا أحدَ يصدقّني. يضحكُ عليّ كلّ من احلفُ له بأنني أجلسُ لوحدي. أقربَ صديقٍ لي يدنو مني ثم يلكزني
قائلا :
- كفى. الجميعُ يراها. أنها تشعُّ من عينيك.
لغة أخرى
كل من رآه يجالس السناجب، ظنه أبلها وضرب كفا بكف تأسّفا وأشفاقا عليهِ. وحدي أنا من عرفَ بأنه يُلقمُ تلكَ الكائناتِ المتناغمة مع وجعهِ أبجديةَ اشتياقهِ لحبيبةٍ مختطفة.
ترقيع
هذا تاسع كيسَ قمامة يلقى عليّ وهذه خامس منطقة أطرد منها. الحكومة تنظّف العاصمة من المتسولين و المنبوذين والمشردين قبل وصول الوفود المشاركة في المؤتمر الدولي.كان يمكن أن يصبح عمل البلدية كاملا ونموذجيا لو أن آلياتها الضخمة والحديثة توجهت مرة صوب المنطقة الخضراء.
بيتُ العزّ
يتجوّلُ الصبيّ السنجاريّ في غرفِ البيت. يتقصّى الهمسّ الخفيّ للزمنِ المنصرم. يبحثُ عن أيّ أثرٍ يمكنُ أن يختزنَ في داخلهِ رشّةَ عطرٍ من أمّهِ، أو يجودَ بخُصلةٍ من شعورِ أخواته، أو يحتفظَ بِنَفَسٍ تائهٍ من أنفاسِ أخوانه. ينقّبُ في جدرانِ البيت عن دخانِ جدّهِ الذي ظلّ لخمسينَ سنةٍ يدورُ في فضاءاتِ
الحوش.
يطاردُ دونَ نأمةِ أملٍ فَيْءَ جدّتهِ تحتَ شجرةِ التوت الذابلة. حين يرحل، لا يجدُ سوى الهواءِ الراكدِ في فضاءِ الغرفِ الخانقة والضيّقة
يلوّحُ له.