ابتهال بليبل
قد يبدو السياق النسوي متناقضاً إلى حد ما عند دراسة مجموعة (ما لقّنتني إياهُ الشقاءات) للشاعرة بيداء حكمت. ومع ذلك، فقد تحدت النسوية الاعتقاد بأن "الأدب مستقل عن التاريخ".
في الواقع، يظهر النص الشعري هنا، كموقع متقاطع لمجالات وخطابات متعددة وتمثيلات الذات، والمراجع والتداعيات الاجتماعية والسياسية والثقافية. ويفسح المجال لأصوات ومفاهيم جديدة تجاه التأليف والكتابة ودوافع قراءة الشعر.
ومع تزايد قدرة النساء على الوصول إلى التعليم والعمل وحق التصويت والديمقراطية، وتحدي المفاهيم الذكورية وتأكيد إرادتهن وقيمتهن. وكانت هذه، كما قالت زعيمة حقوق المرأة كاري تشابمان كات "ساعة المرأة". لكننا نجد هذه الثقة والخلاف تعبيراً عنهما في استعمال الشاعرة بيداء حكمت للغة في "قصيدة اعترافات". وتبدأ بـ (عُودتُ أن أدون كل خسارة في مسلسل سيرتي) وأيضا (ما نحن إلا ثمار ناضجة في متناول يد القطاف- الموت)، وتختمها بتساؤل (ألهذا أنا دائما فريسة جاهزة لإفخاخ قصيدة النثر؟) وغيرها من تعبيرات تؤكد على اختفاء ملامح الأنثى مثل (ملامح وجهي.. هيأتي/ لا توحيان بتقلبات مزاجي وتمردي).
وعلى الرغم من أن النقاد النسويين قد يكونون حريصين على قراءة هذه التعبيرات بوصفها أداء نسوياً ساخراً عن الأنوثة، فإن التناقض الذي يحيط بالموضوع لا يمكن أن يخفيه أي تفسير.
إن القدرة على قراءة هذه التعبيرات حرفياً مثل الاختفاء الأنثوي والعجز في سياقها الأبوي تسلط الضوء على الصعوبة التي تواجهها نساء مجموعة بيداء حكمت في تحرير أنفسهن تماماً من (مواقف أنثوية متساهلة - كما تقول إيلين شوالتر).
هذه النصوص، على الرغم من كونها تقدمية، إلاّ أنها تعكس في النهاية الظروف التي تحيط بالنساء، أي غياب نهضة نسوية ملموسة تجاه استمرار التقاليد الأبوية.
في الواقع، تُظهر نساء مجموعة (ما لقّنتني إياهُ الشقاءات) القرارات النسوية نفسها في التجنب المخادع أو المراوغ لتلك التوقعات التي يمكن أن تنقض في الغالب على المرأة، وتصوير وانتقاد محنة النساء بطريقة المحاصرات اجتماعياً، على الرغم من أنها مرتبطة بشكل محافظ بالشعر الحداثي الأنثوي، يجب قراءة نص بيداء حكمت على سبيل المثال (ذات ليلة كتبت إليه: ربما أنا لست من تنتظر. رد: أنا لا أنتظر أحداً) باعتباره نقداً "للأيديولوجية الثقافية من داخل أساليبها ومهاراتها". وعلى وجه التحديد، ينبغي أن تُقرأ هذه الأعمال من منظور نسوي معاصر من حيث استمرار نضال المرأة لتأكيد الذات وسط سلطة من شأنها أن تعيق حريتها.
حقيقة أن اختيار بيداء حكمت للحظة التي تعود فيها الأنثى إلى حياتها السابقة، إلى قبر الأب، لم يكن روتينياً ومؤشراً على التزامها بالأيديولوجيات الأبوية لهذا النوع أو خلقها لشعر غير نسوي، بل كان رمزياً، مستخدمة (الحديقة)، لتجسيد ظروف النساء، فتقول: (كلما زرت قبره/ تسيجه بحقل من ورد/ وفي كل مرة/ تضع تحت الشاهدة قصاصة/ مكتوب فيها: أبي لا تزال حديقة البيت وحدها من ترنو إليك) لاستحضار الشعور بالحرمان الذي تعاني منه الآن بالمقارنة عند عودتها إلى ذاكرتها وحياتها مع الأب، في حين أن زيارة قبره تستحضر رتابة هذه الحياة.
والواقع أن ضغط تعبير (القبر) يتماشى مع تقييم المفكرة "سيمون دي بوفوار"، حيث تشير قصيدة حكمت إلى التفاعل بين الحياة المهيمنة في الذاكرة وتلك الصامتة التي تعيشها الآن، مع الدلالات التقليدية لشكل "الوحدة" فيبدو في استعمالها للحديقة ممارسة شعرية نسوية متمثلة في "الحرية".
إذا فهمنا السياق النسوي في مجموعة (ما لقّنتني إياهُ الشقاءات) للشاعرة بيداء حكمت، وكيف أن نساء قصائدها واعيات، ويناضلن، وخاصة داخلياً، ضد الأيديولوجيات التي واجهتهن في الحياة، وتحديداً في ما يتعلق بتوقعات وأعراف، فمن الممكن أن نقبض على التمرد النسوي وهو بصورته
الواعية.