علي حمود الحسن
العلاقة بين السينما والأدب، هي " علاقة حب لا تنتهي بزواج كاثوليكي"، فهما يفترقان مرة ويتلاقيان مرات، السينما تصور والرواية تقول، وتأمل العلاقة بينهما "بزوايا نظر مختلفة، سواء بقراءة وتحليل الأعمال المقتبسة، أو من خلال مقاربات نظرية تفصيلية تحاول أن تمنهج طبيعة وأدوات هذا الاقتباس"، هو بالضبط محور كتاب "السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي" الذي حرره وقدمه الناقد احمد ثامر جهاد وصدر عن دار الشؤون الثقافية في العام 2024.
تشكلت مادة الكتاب من خلال مفتتح ومقدمة بقلم المحرر، وعشر مشاركات تعاقب على كتابتها نقاد وأكاديميون وصحفيون متخصصون.. طرح جهاد في عتبة نصه الأولى فكرة مفادها: أن "كل تحويل سينمائي لعمل أدبي هو مسار جديد من مسارات العلاقة المتحولة، بين الأدب والسينما، فدائماً هنالك شكل جديد، يقترحه الفيلم المقتبس من أصل أدبي"، وركز الناقد السينمائي أحمد ثامر في مقدمته المعنونة "السينما والأدب.. قصة غرام وخصام أبدي" على العلاقة بين هذين الوسطين، مشيراً إلى أن السينما منذ بداياتها الأولى منجذبة للأدب بقدر انجذابه لها.
قسم الناقد احمد ثامر جهاد متن الكتاب إلى قسمين، هما: " السينما والأدب مقاربات نظرية"، و"الأدب في السينما، قراءات"،
تضمن القسم الأول خمسة بحوث، افتتحها د. جعفر عبد الحميد ببحث عنوانه: " الاقتباس السينمائي للنص الروائي مقاربات نظرية، تناول فيه كتاب جورج بلوستون "من الروايات إلى الأفلام" بالقراءة والتحليل ليصل إلى نتيجة مفادها: "أن صانع الأفلام يمتلك مجموعة من التقنيات والأدوات المتاحة لتحقيق فيلم مستقل بدرجات متفاوتة ومقبولة عن النص المقتبس".
تناولت د. كوثر جبارة "السرد واللغة بين النص المقروء والنص المرئي"، وأوضحت أن ما يجمع السينما والرواية، هو البنية السردية، بينما أضاء د. احمد جبار في بحثه "خيارات المعالجة الفيلمية للرواية الحديثة" منطقة التحولات المتبادلة، التي حدثت كتناص شكلي بين الأدب والسينما، إذ استلهم صناع الأفلام من النص الروائي، الذي يعد ثورة نصية كبرى تضم حوادث وشخصيات مرسومة بدقة.
بينما ناقش المخرج والمنتج محمد الغضبان موضوع "تحديات الكتابة السينمائية في عصر الذكاء الاصطناعي"، مؤكداً أن السينما تمر بفترة انتقالية متعددة الأوجه، إذ تتحول من وسيط تقليدي في القرن العشرين إلى آخر متعدد الوسائط في قرننا الحالي، يتميز بالخصائص الرقمية، والتفاعلية، والشبكية، والخوارزمية، لتدخل السينما في عالم ما بعد الحداثة.
واحتوى القسم الثاني على مجموعة من الدراسات، التي أسهم فيها نقاد ومختصون، إذ قدم د. جواد بشارة دراسة عن "معضلة الإعداد السينمائي للنصوص الأدبية مارسيل بروست نموذجاً، كما ناقش المخرج والناقد ليث عبد الأمير "لغز الافتراق والتلاقي بين الأدب والسينما عن السينما الشعرية وطيف "هيروشيما حبيبتي"، وتعاقب صحفيون ونقاد أغنوا هذا القسم بمقالات تطبيقية عن أفلام مقتبسة من أعمال روائية خالدة، من بينهم: عدنان حسين، وعلي الياسري، ود. ياسر البراك، وعلاء المفرجي، وعلي حمود الحسن، فضلاً عن أحمد ثامر جهاد الذي اختتم الكتاب بمقالة عن "تحولات الشخصية الكولونيالية من حدود الرواية إلى خيار الفيلم.
يعد الكتاب بصفحاته الـ(254) ومضمونه الرصين وغلافه الأنيق، إضافة نوعية إلى المكتبة السينمائية العراقية، التي تفتقر أصلاً إلى هذا النوع من
الدراسات.