كتب التنمية البشريَّة

ثقافة 2025/03/11
...

  وارد بدر السالم

على مرِّ التاريخ الرقابي الاجتماعي للسلوك البشري، أوجد الحكماء والواعظون والمرشدون والمعالجون الحكمة والإرشاد والتوجيه. كخلاصات تقصت الموجات البشريَّة المتعاقبة في شتى صورها الإنسانيَّة، فنشأت نظريات كثيرة أهمها النظريات الاقتصادية التي رأت بأن الاقتصاد جوهر التنمية الحقيقيَّة لأي مجتمع في العالم، كما كتب آدم سميث "السكان ورؤوس الأموال هما المكونان اللذان يسهمان في الوصول إلى التنمية الاقتصادية"

 فالاقتصاد عصب الحياة والتنمية المجتمعيّة، لذلك فإنّ الدول ذات الاقتصاد المتمكن، أوجدت لها مساحة كبيرة من التقدم العلمي والحضاري والتكنولوجي والعسكري. وهذا يعني بأنّها استثمرت المسافة الزمنيَّة بين وجودها القديم والجديد لترتيب ثقافتها اليوميَّة وتنظيفها من عوالق الماضي القار، في تنمية فاعليتها العظمى في مسارات الحياة.

بالتراكم الزمني أوجد العصر الورقي تسمية التنمية البشريّة في محصّلة تنظيريّة في الأقل لتقديم إرشادات مجتمعيّة متعددة المنافذ والفقرات. ومع التسميات المختلفة، تلتقي الأهداف لجمعها في تنمية نفسيّة في وضوحها الأخلاقي والجمالي. كحكمة وعِظة وتوجيه وإرشاد وضبط سلوكي اجتماعي. هذا قبل أن يوسّع العلم الحياة البشريّة وينشر مفهومية التحضر الجمالي، ويشيع المعرفة الإنسانية بصورها ودلالاتها المختلفة في إطار معين، يتحدد بسلوكيات المجتمعات وأدائها الأخلاقي والسلوكي. لذلك نجد أن مفهوم التنمية البشرية قد توسّع كثيراً حتى أضحى عصر الحداثة الشاملة عصرَ إتيكيت وعصرَ ضبطٍ صارماً في التوجيهات الأخلاقية والسلوكية، ومن ثمَّ أفرز لنا الكثير من كتب ما يسمى بـ التنمية البشرية انتشرت على نحوٍ غير مسبوق، وزاحمت أسواق الكتب بقارئ جديد يتطلع الى مفهوميات جديدة، أنتجتها الثقافة المعولمة عبر فضاءات الإلكترونيات التي غزت العالم بطريقة مثيرة.

نسلك مسارين في تناول هذه الموضوعة الحيوية التي جاءت بقارئها معها وحاجته الى سلوكيات ثقافية مُحدَّثة، قد لا يعوّل البعض عليها، ويتحفّظ آخرون على ثقافة ووعي مثل هذا القارئ. وعدّ كتب التنمية البشريّة كتباً سهلة التأليف. بلا خبرات مهمة. لا تنطوي على قيمة أدبية واعتبارية وتأليفية ذات مزايا جديدة. بل هي ما يقع في الباب التجاري من الكتب التي ليس فيها ميزة منهجية ضابطة. لا سيما الكتب العربية المؤلفة بأسماء وهمية أو بعلامات تجارية غير ذات قيمة معرفية.

المسار الأول: تاريخ التنمية البشريَّة 

وفقاً لآدم سميث لا توجد ما يسمى بالتنمية البشريّة ما لم تكن هناك تنمية اقتصادية في أي مجتمع، وهذه إشارة لا تتحقق ما لم يكن ثمة ظرف سياسي ايجابي يساعد على تنميات متعددة في المجتمعات، ومنها التنمية البشرية، التي أحد أركانها التنمية الاقتصادية ومثلها السياسية المستقرة، والسلوكية والأخلاقية الناجمة عن تفاعلات مجتمعية يومية. ويُفهم بأن الاقتصاد المتوازن يلبي حاجيات المجتمع بأن يعيش حالات من الاكتفاء الذاتي الى حدٍّ بعيد. لا نقول الى حدِّ الترفيه الشامل، بل الى استقرار القدرة الشرائية التي هي مفهوم قديم ضمن مفهومات البلدان التي تتوسع في نموها السكاني والاقتصادي. فالاقتصاد هو الذي يحدد مقادير قوة المجتمعات من عدمها ومن ثمَّ تنميتها.

ولو تتبعنا مفهوم التنمية البشرية تاريخياً، سنجده من المفاهيم الحديثةً في أبجديات التنميات الأخرى، ظهرت أمريكياً بفترات جيلية متناوبة، بين ما هو اجتماعي وما هو اقتصادي على أن يكون الاقتصادي التنموي هو الذي يرفد الاجتماعي حتى مطالع سبعينيات القرن الماضي في تسهيل عمليات التعليم للحدّ من انتشار الجهل والأميّة في المجتمعات، وتوسيع أنطقة الرعاية الصحية، ورفع مداخيل الأفراد، وإشاعة الحريات في ديموقراطيات حقيقية، وما الى ذلك بما يسهم في تمتين أواصر العلاقات الاجتماعية في إطار إيجاد تنمية بشريّة صاعدة.

المسار الثاني: تعريف التنمية البشريَّة.

السياسات الدوليَّة؛ عبر هيآتها المختلفة؛ توجِد تعريفات كثيرة لموضوعة التنمية الاجتماعية. وهذا ليس مهماً بالقدر الذي تكون المجتمعات فيه قادرة على مزاولة أنشطتها الحياتية بصورة معقولة، متخلصة من كوابيس الجوع والفقر والبطالة والأمية والتعليم. بمعنى أن التنمية البشريّة معنية بالإنسان كتربية ذاتية، بأهداف واضحة في التعليم والصحة والمعيشة والسكن وتثوير الطاقات الفردية والعمل على تطوير المهارات الجماعية والإبداعية. ولا شك بأن معترضات التنمية البشرية؛ ولنقل الاجتماعية؛ كثيرة وليس أقلها الحروب، وانعدام الأمن، والاقتصاد المتهالك والجهل والأمية وضعف الوعي الصحي وقلة المرافق الخدمية في هذا الميدان المهم، وما ينتج عن كل هذا هزائم نفسية متعددة على مستوى الأفراد والمجتمعات. ولا يجد المعنيون بهذا إلا عن طريق عكسها، بإيجاد الأمن والتعليم والصحة والسكن وتطوير المجتمعات عبر تطوير ذواتها، وتعاملها الحسن مع الغير. وتفعيل عناصر الذات في الشجاعة والإصرار على الأمل وقوة التفكير.

كتب التنمية البشريّة ليست جديدة على التآليف المعنية بهكذا موضوعات، فكتاب "دعِ القلق وابدأ الحياة -1948 " للأمريكي "ديل كارنيجي" واحد من ريادات هذه الكتب التي خرجت بعد الحرب العالمية الثانية؛ لكن كارنيجي انتحر!، والتكييفات الذاتية في كتابه لم تسعفه بأن يتوازن عقلياً واجتماعياً. مع أن الملايين في القارات قرأته وتأثرت به. ونعتقد أن القلق الاجتماعي الذي رافق حياة المؤلف كان هو السبب في تأليف ذلك الكتاب. ولم يكن يدرك وقتها أن الموضوعة الاقتصادية كانت وما تزال هي المهيمنة الرئيسة التي تسبب القلق ومشاقه الكثيرة. 


هوامش:

• أدم سميث: فيلسوف واقتصادي ليبرالي. مؤسس علم الاقتصاد السياسي. له كتاب معروف هو "ثروة الأمم - 1776" .

•  تيار الإصلاح "موقع إلكتروني" 16 ديسمبر 2020 

• كيل كارنيجي: أميركي ومطور الدروس المشهورة في تحسين الذات. ولد عام 1888 وتوفي عام 1955. من كتبه: " كيف تؤثر في الآخرين وتكسب الأصدقاء" و"اكتشف القائد الذي بداخلك - فن القيادة في العمل" و "فن الخطابة" و "فن التعامل مع الناس". (ويكيبيديا - الموسوعة الحرة).