محمد شريف أبو ميسم
تشير التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بشأن تثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في المنطقة الجنوبية من الأراضي السورية، والتي تزامنت من توسيع العمليات العسكرية لجيش الاحتلال في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، إلى أن الكيان ماضٍ في استراتيجيته التوسع ورسم جغرافيا سياسية جديدة على حساب حالة عدم الاستقرار التي تشهدها سوريا، بعد تدمير 80 بالمئة من قدرات الجيش العربي السوري بحسب تقارير اعلامية، حملت تبريرات حماية وجود دولة الاحتلال من التهديدات الخارجية.
وكلما طالت المرحلة الانتقالية، عاشت سوريا حالة من عدم الاستقرار، وكانت وطأة صدمة التحول نحو نظام سياسي جديد أكثر ايلاما على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي، ما سيجعل الانسان في دوامة من التخبط بحثا عن المخارج على المستوى الشخصي والعائلي.
وهنا يتحقق هدف أصحاب “نظرية الصدمة” التي جاء بها الاقتصادي الأمريكي “ميلتون فريدمان”، والذي يقول فيها إن “الأزمات فقط، حقيقية أو متصورة، هي التي تنتج تغيرا حقيقيا”، فعند وقوع كارثة تُعتمد الإجراءات التي يتم اتخاذها بناء على الأفكار المتاحة، فبعد أن يتخبط الانسان، ويجد صعوبة في ايجاد الحلول للمشكلات التي تتوالد تباعا، يحف به الخوف والقلق، فيما تتصاعد الأزمات، وتتيه الأسئلة بحثا عن أجوبتها، في ظل انفلات أمني وصعوبة في توفير مقومات العيش الكريم، وهنا نجد فريدمان مقتنعا بضرورة التحرك سريعا، لفرض تغيير دائم قبل عودة المجتمع، الذي اجتاحته الأزمة إلى “شدة وطأة ظروف ما بعد الكارثة”، وهو تنويع على نصيحة مكيافيلي بوجوب إيقاع “الأضرار كلها مرة واحدة”، اذ يبقى الهدف الرئيس قائما على تدجين العقل الجمعي، وجعله مستعدا للقبول بالحلول الخارجية الجاهزة، فتحل سلطة الرساميل محل سلطة الدولة بهدوء، بوصفها الحل الوحيد تحت مظلة اقتصاد السوق الليبرالي. وتؤكد الكاتبة الكندية نعومي كلاين في كتابها “عقيدة الصدمة.. صعود برجوازية الكوارث”، إن وسائل السياسة الاقتصادية النيوليبرالية التي تفرضها مدرسة شيكاغو ومنظّرها “ميلتون فريدمان”، كارثية ذات نتائج وخيمة تفضي للكساد وتفاقم الفقر ونهب الشركات الخاصة للمال العام، اذ تعتمد الذرائع القسرية لتمرير “الإصلاحات” باتجاه السوق الحرة المرفوضة شعبيا. وتؤرخ كلاين لهذه الكوارث، التي تتضمن برامج لمدرسة شيكاغو أطلقتها انقلابات عسكرية بأميركا الجنوبية؛ والبيع المعيب لاقتصاد الدولة في روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. وبناء على ما تقدم يمكن قراءة الأحداث في سوريا التي يراد لها الخروج من محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني، اذ تكثف دولة الاحتلال من تحركاتها العسكرية، ومن دعمها المتواصل عبر المواقع الوهمية في شبكات التواصل الاجتماعي لاثارة النعرات والفرقة بين أبناء الشعب السوري، ففي الوقت الذي تعلن عن اقامة منطقة أمنية داخل الأراضي السورية، وتؤكد أنه لا يوجد تاريخ نهائي لاستمرار بقائها في تلك المنطقة، فإنها تقوم ببناء المزيد من المواقع العسكرية في تلك المنطقة، فيما تشن طائراتها الحربية غارات متواصلة على مواقع عسكرية كان آخرها في منطقة الكسوة بريف دمشق، بدعوى استهداف مواقع مرتبطة بجماعات مسلحة. في ذات الوقت يتم توظيف الملف الطائفي في ادامة زخم ملامح الصدمة التي يتعرض لها السكان، حيث يتعرض أبناء الأقليات إلى اعتداءات متكررة على الهوية، كان آخرها قيام مليشيات طائفية بإعدامات ميدانية في حق سكان بعض القرى العلوية، منها في بلدة المختارية في ريف اللاذقية، والتي صاحبها احراق عدد من المنازل. الأمر الذي يكرس حالة الفوضى وانعدام الأمن، ويجذر الكراهية والأحقاد على المدى البعيد بين التشكيلات المجتمعية، في ظل تدهور اقتصادي، وسوء في الخدمات، ما سيؤسس إلى واقع جديد تكون فيه الدولة في أسوأ حالاتها، والحاجة ماسة للحلول الخارجية، حينها ستلج رساميل العولمة التي تديرها العوائل الصهيونية المتطرفة إلى بيئة الأعمال السورية لتحل محل سلطة الدولة، بدعوى العمل بنظام اقتصاد السوق الليبرالي.