سوريا.. ماذا تنتظر؟

آراء 2025/03/12
...

 د. هاني عاشور 

 

عبر التاريخ، لم يكن أيّ تغيير في أي نظام حكم حدثا عابرا، ولكن حين يكون الحدث مضرجا بالدماء فهذا يعني أن في الامر ريبة، وفي سوريا يبرز السؤال الاكبر.. ماذا تنتظر سوريا بعد كل ما حدث من متغيرات لم تكن بعيدة عن مشاركة دول اخرى 

فيها. 

لم يحزن أحد على نظام الاسد، فالتغيير جزء من الحياة، ولكن أن ينسى العالم والسوريون بالذات أن الساعات الاولى من تغيير النظام أفنت 80 بالمئة من قدرات القوات المسلحة السورية بهجمات صهيونية واضحة المعالم، تشير الى أن التغيير سوف يستغله اعداء سوريا الحقيقيون وهم الصهاينة ومن معهم، ولكن للأسف كان العالم يراقب ويتابع الضربات الصهيونية على أنها كأي حدث عابر، بل ذهبت بعض وسائل الاعلام إلى تصوير ذلك وتقديمه كأنه بشارة للتغيير، دون ان يكون لقوى التغيير القادمة من رحم الماضي أي ردّ فعل أو حتى تصريح يمكن ان يكشف هوية اصحاب السلطة الجدد، فيما كانت كل تلك الاسلحة جوية وبحرية وبرية قد تم تدميرها، وكانت تقدر بمليارات الدولارات دفعها النظام سابقا من لقمة الشعب السوري ليتمكن من الحفاظ على أمن سوريا ازاء عدو يتحين الفرصة لتدمير سوريا وجاءته الفرصة على طبق من

 ذهب. 

وفي حين كانت بعض وفود الدول الاجنبية تتقاطر على دمشق وتصافح رئيس سلطتها الجديد، لم تكن العقوبات التي اثقلت الشعب السوري وأهلكته طيلة 13 عاما قد زالت إلى غير رجعة، بل ظلّت الدول تحافظ على العقوبات وتعبر بتصريحات خجولة بأنها تراقب الوضع، وكأنها تريد ان يبقى الوضع كما هو عليه حتى تفرض حكمها على الحاكمين في دمشق. 

وبأسلوب خجول ايضا زارت وفود عربية على مستوى وزراء العاصمة دمشق ولم تقدم ما ينقذ الشعب السوري من الفاقة والحرمان والبؤس المستمر، فظلّ الامر كما هو، الجميع ينظر ويرى (إن في الأمر ريبة).

ولنحو ثلاثة شهور لم تتمكن السلطة الجديدة من وضع حلول للإشكالات مع قوات قسد الكردية، وظلّت تنظر بعين الرقيب إلى القصف التركي ضد كرد سوريا دون ان تنبس بكلمة في اقل تقدير تشير إلى وحدة سوريا، على الرغم من ان قسد كانت من معارضي النظام السوري السابق وقدمت تضحيات كبرى في مواجهاتها معه، وكان كل ذلك يقول (إن في الامر ريبة ).

وفيما تم منح الرتب وبناء قوات أمنية جديدة من فصائل مسلحة قريبة لرئيس السلطة الجديد وفيها هويات غير سورية، لم تكن هوية تلك القوات الجديدة واضحة وظلّت مثار نقاش سوري، فيما ينتظر الناس رغيف خبز مضاف إلى طعام السوريين، فيما لم يكن الانتماء إلى سوريا عنوانا جديدا، فجرى تقسيم الشعب إلى هويات 

متعددة. 

كان ملايين الدروز والكرد والعلويين ومن ديانات اخرى ينتظرون حلاً، فيما كانت المعارضة السورية التي واجهت النظام السابق وقدمت التضحيات طيلة عقود من الزمن بانتظار عهد جديد، لكن ذلك العهد الجديد عاد قرونا إلى الوراء، ولم يكتف بمحاربة الهويات الاخرى والمعارضة السياسية، بل بمحاربة التاريخ الذي لم يكن للشعب السوري دور في صناعته. 

واخيرا جاءت صرخة الدم في الساحل السوري “لأربعة أيام” استمرّت “المذابح” المتبادلة في شريط الساحل الممتد لمئة كيلومتر ليشهد صراعا دمويا كل ما تفعله السلطة الجديدة فيه هو الانتقام وتصريحات تقول للناس (تمت السيطرة) دون مراجعة اسباب كل ما حدث، العالم ينظر، كما ينظر الكثيرون في سوريا إلى “مسرحية الحوار الوطني” على أنها استهترت تماماً بالأسباب الحقيقية للوضع الكارثي السوري، فإن الحل الأمني ليس هو الحل لأزمات البلد، وأنه لا بد من التفاوض في الساحل، كما في جبل العرب، وفي الجنوب، لنزع فتيل وضع خطير للغاية، فيما العالم العربي يكتفي بنقل اخبار ما يحدث ولا من مجير أو معين أو رشيد ينظر للأمر بعين العقل، فيرى 

السوريون (إن في الامر ريبة) ويبقى السؤال (سوريا ماذا 

تنتظر) .