العقاد.. مسيرة العلم والأدب والسياسة

ثقافة 2025/03/12
...

  غفران حداد

اليوم 12 من شهر آذار تحل علينا الذكرى الحادية والستون، لوفاة الأديب والشاعر والفيلسوف والمؤرخ عباس محمود العقاد بعد مسيرة حافلة في العلم والأدب والسياسة. العقاد الذي ولد في 28 حزيران 1889 في أسوان، كان جده يعمل في صناعة الحرير بالمحلة الكبرى فسمي عقاداً، وكان والده أميناً للمخطوطات، وتربى في منزل عرف صاحباه بعشق العزلة وطول الصمت، وهذا ما ترك أثراً في شخصية العقاد، بكونه رجلا يحب الوحدة.

 لقد كان غزيراً بالسرد والتعبير، لم ينتظم في الدراسة، لكنه قدم للثقافة العربية ما لم يقدمه الآلاف من حملة الشهادات العليا. شغف بالقراءة والإطلاع في صغره فقرأ "المُسْتَطْرَف في كل فن مستظرف"، للأبشيهي و"قصص ألف ليلة وليلة" ما فتح شهيته وإقباله أكثر على مطالعة الكتب العربية والافرنجية وفي نظم الشعر. 

عمل موظفاً في القسم المالي بمديرية الشرقية عام 1905 لكنه سرعان ما ترك العمل في وظائف الدولة ليدخل عالم الصحافة عام 1907 فعمل مع محمد فريد وجدي في جريدة الدستور اليومية، ثم انتقل للعمل في جريدة الأهالي عام 1917 وكانت تصدر في الإسكندرية، ليقرر تركها أيضاً والعمل بجريدة الأهرام عام 1919.  

كان شجاعاً في مواقفه، فعندما انتخب عضواً بمجلس النواب أراد الملك فاروق اسقاط عبارتين من الدستور تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والثانية أن الوزارة مسؤولة أمام البرلمان، فارتفع صوت العقاد ومن تحت قبة البرلمان قائلاً  إن "الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه"، وقد كلفه هذا الموقف تسعة أشهر من السجن عام 1930، بتهمة العيب في الذات الملكية. 

كتب العقاد عشرات الكتب التي تجاوزت المئة في الأدب والاجتماع والتاريخ والسياسة مثل "عقائد المفكرين في القرن العشرين، مطالعات في الكتب والحياة، اشتات مجتمعة في اللغة والأدب، اليد القوية في مصر، جحا الضاحك المضحك، الشيوعية والإسلام، فلاسفة الحكم في العصر الحديث، النازية والأديان، وهتلر في الميزان"، وكان في مؤلفاته السياسية يحارب النظم والاستبدادية ويمجد الديمقراطية التي تكفل حرية الفرد. 

في مؤلفات العقاد الإسلامية التي تجاوزت الأربعين كتاباً، لا يهتم بسرد الحوادث وترتيب الوقائع وإنما يعنى برسم صورة للشخصية تُعرفنا به، فقد دافع عن الإسلام، بكتب عدة في مقدمتها "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، والفلسفة القرآنية، والديمقراطية  في الإسلام"، عبر هذه العناوين وغيرها كان العقاد يواجه خصومه بالمنطق السديد. 

ولو تصفحنا جانباً من شاعرية العقاد، فلم يكن فقط مؤرخاً دقيقاً ولا مفكراً عميقاً، فحسب، بل شاعراً متجدداً له عشرة دواوين، ومنها "وهج الظهيرة، وحي الأربعين، أشجان الليل، يقظة الصباح، هدية الكروان، عابر سبيل، بعد الأعاصير" وغيرها من أيقوناته الشعرية. 

لم يتزوج العقاد في حياته، وهرب من فكرة الاقتران بالمرأة فاتهمه الخصوم بأنه رجل عدوٌ للمرأة، لكنه لم يكن كذلك. حيث أوقعه الحب في شراكها أكثر من مرة ولم يخل قلبه من حبها حتى آخر لحظات حياته، فقد وجد أهله بجواره على فراش الموت أبياتاً من الشعر تتغزل بالمرأة، فلا عجب أن يكون قلم العقاد الذي أسقط كبار الحكام المستبدين أن ينبض قلبه بأرق العواطف، حيث يكتب عن المرأة ومؤيداً لها، وكان يصرح في مناسبات كثيرة أنه ليس هناك كراهية بينه وبين المرأة وأجاب عن سؤال لمجلة "آخر ساعة" في يوليو/ تموز 1961 عن سر العداء التقليدي بينه وبين المرأة، قائلاً  "ليس هناك عداء.. المسألة أنني أضع المرأة في مكانها الصحيح حسب فهمي لها على ضوء امكاناتها الطبيعية والنفسية".

كتب العقاد مقالات ودراسات ناقداً ومحباً لها في مقدمتها كتاب "هذه الشجرة" و"المرأة في القرآن"، كما وكتب في عام 1912 خلاصة اليومية والشذور، وطالب بتعليم المرأة وتحريرها واستقلالها ومساواتها بالرجل، وقد أغرم العقاد بالشاعرة والأديبة اللبنانية مي زيادة، وكان يأمل الاقتران بها وترجم قربها من قلبه في روايته الأدبية الوحيدة "سارة" باسم هند، لكن مي زيادة لم تكن تبادله المشاعر نفسها، فذهب قلبها إلى رجل آخر وهو الكاتب اللبناني جبران خليل جبران.