اليكس كلارك
ترجمة: شيماء ميران
يبدأ الأمر بظهور كتلة بمنطقة الرقبة، لاحظها أثناء الحلاقة وتجاهلها لبعض الوقت، ثم يتطور إلى إجراءات عدة، وصولاً إلى إرساله من قبل مختص أشعة بارع لإجراء خزعة، فينتهي الأمر من دون تأخير أو عوارض مؤلمة، بتسليم الممثل الكوميدي "مارك ستيل" تشخيصاً بمرض السرطان. عندما يسأل "ستيل" المختص عن ماهية وخطورة الورم، يرد الطبيب "اطرق الخشب"، فيطرقه فعلاً، وحسب ملاحظة مريضه كان محترفاً في ذلك. وكما يقول "ستيل": "ربما إذا انتشر السرطان سيقدمون طريقة صارمة ويطلبون مني التقاط بنس واحد والعبور فوق قطة سوداء".
كتاب "النمر في بيتي" هو حكاية الممثل الكوميدي "مارك ستيل" مع السرطان مع أن هذا المرض وقصص الإصابة به وفترة علاجه أمر شائع، إلا إذا كان المريض محظوظاً، فعواقبه ليست نادرة. لكن هذا لا يعني ذكريات مرهقة، فالناس يختلفون كثيراً، وكل قصة تكشف عن شيء ما، حتى أصبحت له بعض السمات، كصدمة الأخبار واتخاذ الاحتياط العاطفي والجسدي لتحمل العلاج، وتغير حتمي لمنظور المرء لحياته الخاصة، وتزايد أسئلة الوجودية في ما يخص الحياة والموت. يُعرف "مارك ستيل" في المدينة من خلال برنامجه على راديو (BBC4) الذي يلتقي فيه بالمواطنين، ومع هذا يبدأ يهتم بنحو مفاجئ بالتفاصيل الدقيقة لعلاجه وعلاقته بالأطباء وأسرته وأصدقائه من المرضى. فعلى سبيل المثال، هناك طبيب روسي التقى به في مراحل الفحوصات، والذي كان يتمتم "احتمالات غير جيدة" والتي تعكس التفاؤل، فمن المحتمل أن يكون "ستيل" غير مصاب بالسرطان. وفي بعض أكثر مقاطع الكتاب إثارة، يتبع "ستيل" وصديقه الجديد "غولز" أسلوباً رياضياً عند خضوعهما للعلاج الاشعاعي، "كنا نصف يومياً تسلق اليوم السابق وكأننا انطلقنا بوتيرة جيدة، لكن فقط وصلنا المرحلة الأولى من الجولة في فرنسا. وبحلول الأسبوع الثالث، أصبحنا نخوض مجموعتين، ورغم كسر الكاحل والضمادات الثقيلة، لكننا مصممان على إنهاء المباراة".
يتمتع "غولز" بقدر من الحظ، لأنه يعاني من رهاب الأماكن المغلقة بسبب القناع الذي يرتديه أثناء العلاج، كونه قائد دبابة في الجيش. ولكنه أقل حظاً بسبب السرطان الذي يخترق جسده، ورغم نفاد صبر "ستيل" من اللغة العسكرية المحملة بالقيم عند الحديث عن المرض، فمن المستحيل ألا تدهشنا شجاعته. ويتجه "ستيل" نحو الفلسفة الرواقية ليس في تجسيدها الحالي البديهي، بل في جزء من شكلها الأصلي الذي يتعامل مع عدم جدوى الشعور بالظلم.
غالباً ما نتذكر أولئك الذين لم ينجوا. فقد توفي اثنان من أقرب أصدقاء "ستيل"، وهما الكوميديان "ليندا سميث" و"جيريمي هاردي" بسبب السرطان، ويحيي "ستيل" ذكراهما، كونه كان مقرباً منهما أثناء مرضهما، لكن لا شيء يمكنه أن ينقل الحقائق العملية والعقلية والعاطفية المعقدة لمواجهة الموت.
وفي مكان آخر، يسرد الدعم الذي قدمه له أقرانه ممن تعاملوا مع تشخيصهم الخاص، منهم "مات فورد" و"رود غيلبرت"، ويتكلم عن رسالة دعم غير متوقعة ومؤثرة جداً من "جيمي تاربك". وهناك أيضاً الرواية عن العلاقة المعقدة بين "ستيل" و"شاباراك خورساندي"، والتي يظل الكثير منها خاصاً، لكنها تدعمه بوضوح وهي ترسل له فيزا مجهولة الهوية سنوياً.
العلاج بحد ذاته مرهق للغاية، مع آلام ومتاعب خاصة ترافق الطريقة التي يحرم بها الجسم من اللعاب، ويصبح الأكل والشرب والتحدث مستحيلاً تقريباً، مملوءًا بالمخاط. ولكن هناك مجالاً للكوميديا، كما في التبادل المحفوف بالمخاطر عندما يتصل مقدم الخدمة للاستفسار عن كمية التركيبة الغذائية التي يحتاجها "ستيل"، والمريض غير قادر على إصدار صوت. إن تحديات التنقل في نظام الرعاية الصحية كثيرة، ولكن كما يوضح هذا الكتاب الإنساني والجذاب بنحو مكرر، أنه بدون المبدأ المركزي لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، لو كنت مريضاً ستتم مساعدتك، فإننا غارقون تماماً. واليوم، لقد تعافى "ستيل" من السرطان تماماً، لكنك تشعر أنه لا يوجد يوم لا يفكر فيه بالذين ماتوا أو على شفا الموت.
عن الغادريان