مستقبلُ العالم

ثقافة 2025/03/12
...

كيفن جالالي

ترجمة: د. فارس عزيز المدرس


كيڤن جالالي كما يُعرِّفُ نفسَه: "ناشطٌ كنديٌّ في حقوقِ الإنسان، ومؤرخٌ وصحفي وأستاذ، ضحَّى بحريتِه لفضح السياساتِ غير الأخلاقية التي سنَّتها الأممُ المتحدة باسم السلام والأمن. اعتقِل ست مرات لإسكاته ومنعه مِن كشف حقيقة الأساليب التي استخدمتها الحكوماتُ لتفكيك القنبلة السكانية، وهذه العمليةُ لحِقها تقويضُ سيادةِ القانون والديمقراطية" وهذا النصُ رسالةٌ أرسلها إلى البابا؛ يناقشه في خطورةِ هذه القضية. المترجم.

إنَّ عِبءَ العالمِ الذي يقع على أكتافِكَ الضعيفة لم يكن يوماً ما بهذا الثِقل، أو بهذا المستوى من السوء، وقليلون هم الذين يعون خطورةَ هذا الأمر، والأقلُّ مِنهم الذين يجرؤون على مواجهةِ الواقعِ، والتحدُّث بالحقيقة وتوجيه العالم إلى ملاذ آمِن.

 إنَّ أغلبَ الناسِ يتطلَّعون بعيداً وينتظرون الخلاص، ولكننا لا نتمتَّع جميعنا بالكفاءةِ نفسها! لذا يتعيَّن علينا مواجهةُ الحقيقةِ والبحثُ عن مخرجٍ للبشرية؛ لأننا نواجه ثلاثَ حقائق مريرة؛ كلٌّ منها يشكل تهديداً وجودياً قد ننجو منه؛ حتى لو لم نفعل شيئاً حيالها، ولكنها مجتمعةً تعني نهايةَ حضارتِنا، وهذا يقينٌ كيقينِنا بشروقِ الشمس مِن مَشرقها، وربما أيضاً نهاية جنسنِا البشري.

الواقع المرير الأول: أنَّ البشريةَ لا تستطيع أنْ تنجوَ مِن مضاعفة عدد السكان مرة أخرى، وهو ما لن يحدثَ إلا بعد ثلاثين عاماً على الأكثر، أيْ بحلول عام 2050؛ وفي غياب تدابير التحكُّم في عدد السكان؛ فليس هناك ما يكفي مِن الأراضي والمياه الصالحة لإطعام وتغذية ستة عشر مليار إنسان، ولن يوجد ما يكفي مِن المواردَ الطبيعية لمضاعفةِ حجم البنية الأساسية للحفاظ على الجسد والروح معاً، وسوف يشتدُّ الصراعُ على الموارد الطبيعية الحيوية، وسيؤدي حتماً إلى الحرب، وفي نهايةِ المطاف إلى الفناء النووي المتبادَل في بعض الأحيان؛ خلال الثلاثين عاماً القادمة، وبالتالي فإننا نواجه الانهيارَ السياسيَّ المؤكَّدَ، والموتَ بسببِ الغبار النووي والشتاء النووي.

أمَّا الواقعُ المرير الثاني: فهو أنَّ البيئةَ لا تستطيع أنْ تدعم بشكلٍ مستدامٍ سكاناً قِوامُهم ثمانية مليارات نسمة؛ ناهيك عن ستة عشر ملياراً، بأي معدلِ استهلاك يقترب حتى من الحياة المتحضرة. وعليه سوف تنهار البيئةُ قبل وقتٍ طويل من وصولنا إلى ستة عشر ملياراً، وهو ما سيحدث بحلول عام 2050 في غياب تدابيرَ صارمةٍ للتحكُّم في عدد السكان، وهو الوقت الذي سنتجاوز فيه كلَّ الحدودِ الكوكبيةِ التسعة التي تشكل أنظمة دعم الحياة على الكوكب، وبالتالي فإننا نواجه الانهيارَ البيئي المؤكَّد، والموتَ عطشاً أو جوعاً، أو بفعل جوائحِ الحروب أو الأوبئة.

أمَّا الحقيقةُ المرةُ الثالثة فهي أنَّ كلَّ الدولِ المتقدمة - بعد أنْ عمِلت على تقويضِ الخصوبة البشرية مِن خلال الأساليب الكيميائية السرية منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 - أصبحت الآن تواجه أهراماتٍ سكانية مقلوبة، وبالتالي فإنَّ أعدادَ كِبارِ السن أصبحت أكبر مِن أنْ تتمكّنَ مِن تلبية احتياجات سكان سن العمل، الأمر الذي يجعل البرامج الاجتماعية والنظام المالي بأكمله على وشك الانهيار. 

 ما لم يجرِ التعامل مع عبءِ كبار السن على وجه السرعة - الذي يتجاوز الآن 30 % - فبالتالي فإنَّ كلَّ شخص في سنِّ العمل لابدَّ وأنْ يعولَ شخصاً واحداً تقريباً من المتقاعدين)، وسوف يتضاعف العددُ بحلول عام 2060 عندما يصبح 60 %، وسيتعيَّن على كلِّ شخصٍ في سن العمل أنْ يعولَ اثنين مِن المتقاعدين، وهو ما مِن شأنه أنْ يعيدَ العالمَ الغنيَّ إلى مستنقع الفقر الذي حاربناه بكلِّ ما أوتينا من قوةٍ ولقرونٍ عديدةٍ مضت؛ مِن أجلِ الإفلاتِ من هذا الضنك؛ الذي مِن شأنِه أنْ يؤدي حتماً إلى انهيار النظام المالي؛ قبل أنْ نصلَ إليه.

 وفي الوقت نفسِه يتعيَّن علينا أنْ نضمِّنَ خفضَ معدل الخصوبة الإجمالي إلى ما دون مستوى الإحلالsub-replacement (*)، وبالتالي إلى أقل مِن طفلين لكلِّ امرأة، في مختلف أنحاء العالم النامي، وإلا فلن يفلتَ العالمُ الناميُّ أبداً مِن فخِّ الفقر، وسوف يعاني من دورات العنف التي تزداد تدميراً على نحوٍ متزايد، والتي مِن شأنها جرُّ العالم المتقدم إلى الهاوية من خلال الهجرة غير المنضبطة، وغيرها من الآثار الجانبية. وعلى هذا فإننا نواجه انهياراً مالياً مؤكداً، وموتاً بسبب الفوضى الاجتماعية والحربِ الأهلية.

 باختصار لدينا حتى عام 2050 فرصةٌ لمنع الانهيار السياسي والبيئي والمالي، وبالتالي خفض عدد سكان العالم إلى النصف، وتثبيت أنظمة دعم الحياة على الكوكب، وتجديد شباب العالم المتقدم من خلال خفضِ عبءِ الشيخوخة إلى أقل مِن 20٪ وكذلك خفض معدلِ الخصوبة الإجمالي في العالم النامي إلى مستوى خصوبةٍ دون مستوى الإحلال، أو ما يُسمى مستوى الاستبدال، وبالتالي إلى أقل مِن طفلين لكل امرأة.

لا يمكن حلُّ أيٍّ من هذه التهديدات الوجودية الثلاثة دون تدابيرَ وتضحيات غير مسبوقة، ومع ذلك لم يتم إبلاغ سكان العالم إلا بواحدٍ من هذه التهديدات الوجودية الثلاثة، وهو التهديد البيئي، لأنَّ الحكوماتِ والأممَ المتحدة، تخضع أخلاقياً للكنيسة، التي قرَّرت ملاحقتهم سراً، بفعل تعاطي الخِداع والأكاذيب والدعاية والتضليل. إذن أنت ومَن سبقوك المسؤولون في نهاية المطاف عن جهل الشعب وإجرام الأنظمة.

 في حين كانت هذه المنهجيةُ ممكنةً في الماضي؛ لأنَّ الأسرار كانت محفوظةً؛ وحتى مبررة، لأننا لم نكن نملك وسائل منع الحمل اللازمة لنقل مسؤولية التحكم في السكان إلى أكتاف الناس ولا تكنولوجيا المعلومات لتثقيف سكان العالم في الوقت الحقيقي حول سبب ضرورة ذلك، لكن في الوقتِ الحاضر الأعذار غيرُ ممكنةٍ ولا مبررة؛ لأننا نملك كلُّ ما نحتاج إليه لتحقيق الأهداف المذكورة أعلاه؛ من خلال الوسائل القانونية والأخلاقية والإنسانية.

ونظراً لهذه الحالة حاولت أنْ أفهم لماذا تستمر المؤسسات الدينية في خداع العالم؟ وسألت نفسي ما هو المنطق وراء قراراتها هذه؟. ما هو الأساس الأخلاقي لهذه القرارات التي جرى فيها إقناع القادة السياسيين والعلميين والقضائيين والعسكريين تقريباً بالمضي قدماً فيها؟. وبعد كل شيء لا يمكن أنْ تكونوا جميعاً مجانين!,

أيها المتنفِّذون: عندما أنظر في عيونكم أرى اللطفَ وليس الشر، لكن أين هي أفعالكم! فليكن الناس إذن أمامَ هذه الحقائق مباشرة:

أولاً:

 لا يمكن خفضُ عدد السكان إلى مستوى الاستدامة، وبالتالي إلى أقل مِن أربعة مليارات، من خلال التشريعات في ثلاثين عاماً فحسب، حتى لو أمكن تمرير مثل هذا التشريع؛ فإنَّ الأساليبَ القانونية والأخلاقية والإنسانية التي اقترحتها في كتابي "مستقبل الحوْكمة العالمية" قد تستغرق قرناً من الزمن.

ثانياً:

 لا يمكن إنقاذُ البيئة من الدمار البشري؛ من دون خفض عدد السكان إلى مستوى الاستدامة، وذلك لأنَّ النجاحَ على الجبهة البيئية يعتمد على النجاح على جبهة خفض عدد السكان، ومجرد خفض استهلاك الفرد وانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الحد الأدنى لسكان يبلغ عددهم ثمانية مليارات نسمة لن يكون كافياً لإنقاذ البيئة، وفضلاً عن ذلك لن يقبلَ أحدٌ مثل هذا المستوى مِن التضحية بالنفس وبالمعيشة لأكثر من عام أو عامين، كما نرى بعد ما يقرب من عامين مِن القيودِ المفروضة على الوباء.

ثالثاً:

  إذا لم نتمكَّن من تثبيت عددِ السكان عند مستوىً مستدامٍ، ولم نستطع إنقاذ البيئة من الدمار فإنَّ التركيبة السكانية تصبح ذات أهمية ضئيلة أو معدومة، ولنتذكَّر إنَّ إلقاءَ اللوم على الأجيال الماضية بسبب الفشل في التصرف لا يفيدنا اليوم بشيء، وفي هذه الحالة فإنَّ الخيارَ الوحيد المتبقِّي هو خفضُ عددِ السكان قدْر الامكان؛ بأسرع وقت، وبأيِّ وسيلة كانت؛ دون علم الناس.

وبمجرَّد أنْ توصَّلَ مستشاروك العلميون إلى هذا الاستنتاج؛ كان الأمر متروكاً للزعماء الروحيين لجميع الديانات المنظمة الأخرى؛ لتقرير المعايير التي يجب استخدامها لمثل هذا التخفيض الجذري في عدد السكان، وكما كان متوقعاً فإنَّ الناجين مِن التطهير الأعظم يجب أنْ يكونوا أذكياء وأقوياء ومحترمين، لأنَّ هذا هو رأس المال البشري المطلوب للتقدم إلى المستوى التالي من الحضارة، كما ورد في القانون الثالث لبناء الحضارة:

"بمجرد أنْ تقتربَ من القدرةِ الاستيعابية للكوكب يتعيَّن عليك تثبيت السكان إلى الأبد وتثبيتهم عند مستوى يمكن تحمله في أيِّ كوكب كان، حتى لا تتضرر أنظمةُ دعمِ الحياة على الكوكب، وإلا فستزرع الحياةُ الذكية بغير ذكاء بذور تدميرها الخاصة.

بعد تحديدِ مسارِ العمل (التخفيض الجذري للسكان) وتحديد معايير الاختيار (الذكاء والقوة واللياقة)، كان القرارُ الآخر الوحيد الذي سيتخذ هو اختيار طريقة خفض عدد السكان، والوسائل التي سيتم بها خداع السكان. لقد تم اختيار اللقاحات كأفضل وسيلة لأنَّها رخيصة وفعالة، وتوفر أفضل غطاء للإنكار المعقول، وقد تمَّ اختيار الوباء بوصفه أفضل وسيلة لخداع السكان؛ لأنه يستخدم الخوفَ والحفاظ على الذات كعوامل قسرية، ولا شيءَ يعمل بشكلٍ أفضل أو يتطلب جهداً أقل.

من خلالِ تقديم لقاحٍ للناس "لإنقاذ حياتهم" من "فيروس قاتل" مثلاً؛ فإنك في الواقع تمهِّد الطريق لكلِّ إنسان على هذا الكوكب لإخضاع نفسه لاختبارٍ ذكاءٍ مخصص ذاتياً، وأولئك الذين ليسوا أذكياء بما يكفي لرؤية اللعبة سيأخذون اللقاح، وبذلك يحكمون على أنفسِهم بالموت.

ومن خلال إخضاع الناس لضغوط مختلفة لتلقي اللقاح - إذا كانوا يريدون استعادة حقوقهم وحرياتهم الأساسية - فإنك في الواقع تمهِّد الطريق لكلِّ إنسان على هذا الكوكب لإخضاع نفسه لاختبار قوة الشخصية الذي فُرض عليه. وأمَّا الذين ليسوا أقوياء بما يكفي لمقاومة هذه الضغوط؛ لأنهم غير راغبين في تقديم أيِّ تضحيات للكفاح من أجل حقوقهم وحرياتهم الأساسية، فسيختارون بدلاً من ذلك الإشباع الذاتي الفوري فسيأخذون اللقاح، وبذلك يحكمون على أنفسهم بالموت أيضاً.

وأخيراً؛ ومن خلال تشجيع المطعمين على تحويل انتباههم إلى غير المطعمين ثم تقديم جرعات معززة لهم لإظهار التزامهم بنظام شيطاني واضح، وبهذا في الواقع تمهِّد الطريقَ لكلِّ إنسان على هذا الكوكب لإخضاع نفسه لاختبار القدرة على البقاء الذي فرضه على نفسه. وأولئك الذين ليسوا قادرين بما يكفي على مقاومة التحول إلى جنود للشر؛ لأنهم لا يهتمون إلا بأنفسهم، وهم على استعداد للتضحية بأيِّ شخص، وأيُّ شيء للحصول على ما يريدونه في الحياة وسوف يأخذون الجرعة المعززة وبذلك يحكمون على أنفسهم بالموت أيضاً، لأنَّ الأذكياءَ والأقوياء والشرفاء فحسب هم مِن لديهم القدرة على الإسهام في بناء حضارة أعلى، وهم وحدهم من سينجحون في اجتياز التطهير الأعظم.

 إنَّ الملقَّحين هم الملعونون، بينما غير الملقحين هم المختارون؛ المختارون لتقديم التضحيات اللازمة لتمكين حضارتنا من تنفيذ القانون الرابع لبناء الحضارة، والذي ينص على:

"بمجرد الوصول إلى حالة من الانسجام بين الحضارة والطبيعة فإنَّ كلِّ التقدم اللاحق يعتمد على قدرة المجتمع على تقليص عدد البشر بنسبة مباشرة؛ لكنها عكسية مع الزيادة في نصيب الفرد في استهلاك الموارد، وهذا التقليص لابدَّ وأنْ يتمَّ بالتعاون الحر والواعي من جانب الجميع. وبعبارة أخرى: كلما تقدَّمت حضارتُنا من الناحية التكنولوجية كلما قلَّ عدد البشر الذين يمكن استيعابهم على كوكب الأرض، ويجب على جميع الناس الإسهام في تقليص أعداد البشر لتمكين البشرية من الارتقاء في مستوى الحضارة".

يبقى أنْ نرى كم مِن الناس سوف يجتازون الاختبارات الثلاثة التي حُددت لهم، وقد نجد أنفسنا على كوكب خالٍ من السكان إلى حد كبير، لاسيما إذا قررتَ أنت ونظرائك أيضاً أن قرارات الوالدين ستنقذ الأطفال، أو تحكم عليهم بالإيمان نفسه الذي يؤمن به البالغون. 

أنني أعمل ليلًا ونهاراً لضمان اجتياز أكبر عددٍ ممكن من الأشخاص للاختبارات، لكن النظام يقوِّض جهودي من خلال فرض الرقابة عليّ، عِبر وسائل التواصل الاجتماعي، والأمر الأكثر إحباطًا هو أنه: بدلاً من أنْ يتم شكري على جهودي وتضحياتي، غالباً ما توجه لي اللعنات والإدانة من لدن السلطات، من لدن الأشخاص الذين أضحي من أجلهم، والذين يريدون سجني، وهذا هو الشر في بعض البشر، لكنَّ إيماني قويٌّ ومبادئي أقوى، ولا شيء يمكن أنْ يثنيني عن إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح بغض النظر عن التكلفة التي يجب أنْ أدفعها.

آمل وأدعو وأتوسل أنْ يتمَّ إنقاذ الأطفال.

 إنَّ التبريرَ القائل بأنَّ البذرةَ السيئة تنتج بذرةً سيئة صحيح جزئياً؛ لأنَّ الإنسان هو نتيجة للتربية؛ بقدر ما هو نتيجة للطبيعة، ولا أدري كيف يمكننا تربية مليار يتيمٍ عندما يُقال ويُفعل كل شيء، ولكن يجب علينا أنْ نحاول ذلك.

ما زلتُ أعتقد أنَّ الأمرَ يستحق المخاطرةَ بطريقةٍ قانونيةٍ وأخلاقية وإنسانية؛ لحلِّ المشاكل الوجودية التي حدَّدتها. وإذا تغير النظام بأكمله من الأساليب السرية إلى الأساليب العلنية، فقد نتمكن مِن تقليص عددِ سكان العالم إلى مستوى مستدام وإرساء الانسجام بين حضارتنا والطبيعة في نصف قرن. إنها طريقةٌ أصعبُ وأكثر خطورةً، لكنها تترك إنسانيتنا سليمة.