الهيئة العربيَّة للمسرح وسلطنة عمان.. إنجازٌ وتنافسٌ وتساؤلات

ثقافة 2025/03/13
...

  د. عواطف نعيم 


هي الدورة الخامسة عشرة من عمر الهيئة العربية للمسرح بعد انطلاقها، ومن ثم تواصلها ومواكبتها لأحداث وتغيرات وتحولات مرت على المسرح العالمي بفعل المتغيرات التي مر بها العالم من ثورات وانقلابات وعواصف فكرية واجتماعية وصحية بعضها أربك البشر وأدخل الرعب والخوف في حياتهم، حتى بات البعض منهم يحلم بالخلاص والابتعاد حد الانعزال والاعتزال. محن وتقلبات أطاحت بأنظمة وبدلت شخصيات وغيرت معايير وأزاحت رؤى، ورغم ذلك بقي المسرح يتأثر ويناضل ويتلقى لكنه لا يتوقف أو ينكص، ينكفئ بفعل عقول ابداعية وجدت في المسرح حلا ومنجاة وخلاصا من كل ما يحيق به من كوارث وتحولات. 

ولعل انطلاق الهيئة العربية للمسرح، ما هو إلا واحداً من محاولات المسرح في الحفاظ على وجوده وإدامة زخم حضوره من خلال عقل ابداعي متنور ومنفتح على ثقافات العالم، ومؤمن أن العالم أكبر وأجّل من أن يحدد بأطر وحدود وتابوات، ولهذه العقلية الابداعية يعود الفضل في تنشيط الحراك المسرحي في الوطن العربي من خلال هذا التواجد والتظاهر الثقافي والفني والإنساني الذي يجمعنا نحن قبائل المسرح، كي نكون حضورا وفاعلين فيها ومعها. للشيخ الجليل القاسمي فضل كبير في خلق هذا الحراك السنوي والمرصود في موعده من قبل جميع فناني المسرح والعاملين في فضاءاته، لذا ما أن يحل موسم الهيئة ومهرجانها حتى تكون أغلب المسارح والفرق قد تهيأت كي تكون حاضرة في هذا السبق المسرحي والحدث الثقافي المهم، وأن يتوزع الحضور المسرحي ما بين المشاركة في العروض المتنافسة أو الموازية أو الحضور في الورش والندوات، وهي مشاركات تغني التجارب وتحيي روح المشاركة والتعاون والبحث. ونحن هنا لسنا في مجال الحديث عن نوع المشاركات الفنية ومستواها وطبيعتها أو نتائج التنافس بين الفرق العربية المشاركة في عروضها المسرحية أو طبيعة الندوات والورش ومدى فائدتها أو تأثيرها أو نتائجها، فمثل هذه الأمور مناطة باللجنة الإدارية والمنظمة، والتي من مهماتها وضع التقييمات وتحديد مستوى هذا التقييم والفائدة، ومن ثم تقييم الدورة بكل ما فيها وما حققته من نجاح وتميز خلافا عن الدورات التي سبقتها، لأن مثل هذه الاجراءات هي التي تضع المؤشرات الحقيقية والواضحة عن تميز الدورة المقامة وأهميتها على المستوى الفني والثقافي والاهم على مستوى الجدة والإضافة والتفرد. 

الحديث عن منجز عربي بمستوى ما تقدمه الهيئة يحتاج الى صراحة ووضوح وبعد عن المجاملة والاخوانيات، وأيضا ترفع عن النوايا الخاصة والمصالح الضيقة والمحدودة من أجل الانصاف والعدالة وحفاظا على هذا الكيان المؤسساتي المهم والمتفرد والذي ينطوي تحت اسم "الهيئة العربية للمسرح"، لابد من الاشادة بما حققته الهيئة في مسعاها الجاد والباحث عن أفق حر لمسرح عربي يكون بمثابة جامعة عربية للفنون والثقافة تمنح الباحثين والمهتمين والحالمين من المسرحيين الامل في الانجاز والإبداع والمغامرة البحثية والتجريبية العارفة والواثقة والتي تجيد الابحار بحثا عن اللقى الجديدة وغير المألوفة، والتي تبتكر الطرق غير المأهولة والرصينة للإبداع. لابد من العودة الى عدد من الاهداف التي كانت أحد الأسباب المهمة لانطلاق الهيئة ومشروعها الفني والثقافي في المسرح. ولعل من أهم هذه الأهداف هو تحقيق الحضور العربي للمسرح وتكريسه فكرا إنسانيا خلاقا ومنفتحا على الآخر، وهذا يعني تعزيز وجود الكاتب المسرحي، الذي يحاور العالم وينتقي خطابه مازجا ما بين المحلي والمعاصر، التقليدي والحداثوي المبتكر والمعتاد غير غافل عن التراث المحلي والتراث العالمي ويحسن المزج والتطويع بينهما دون إغفال الثوابت الاجتماعية والدينية والإنسانية. ومن أهداف الهيئة أيضا دعم الكفاءات والطاقات في الوطن العربي ومنحها فرصها في العمل والإبداع، وهذا يتطلب اكتشاف تلك الطاقات الاخراجية والتأليفية والأدائية واستقطابها في ورش تمتد لأكثر من خمسة وأربعين يوما، تنتهي بمنجز مسرحي يقدم خلال الدورة الجديدة التي تقيمها الهيئة خلال مواسمها السنوية، ومما ينوجب الاهتمام به أيضا فيما يتعلق بأهداف الهيئة هو العناية باختيار العروض المشاركة في المهرجان بما يتناسب والمتغيرات والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بلداننا العربية ويتم ذلك من خلال العناية باختيار لجان المشاهدة والانتقاء، لأنها هي دون غيرها صمام الامان لبرامج الهيئة ورسالتها الانسانية والأخلاقية كي لا نقع في مبالغات واجتهادات لا تضيف الى الحركة المسرحية العربية جدة ونضوجا، بل يخلق وجودها ردة وصدمة رافضة ومحتجة! الهيئة العربية للمسرح جاءت كي تجمع المسرحيين تحت مظلتها وتبحث عن أسباب النكوص والفتور في الحراك المسرحي في هذا البلد أو ذاك، أفلا يجب أن تكون هناك ندوة للمصارحة والبوح والكشف عن أسباب هذا النكوص أو التعثر وألا يعني غياب أو صمت قامة مسرحية في هذا البلد أو ذاك أن ثمة خطبا ما، ولابد من مدّ يد العون لتلك القامات ومنحها القدرة على الانجاز والتواصل وتفعيل حراكها ونفض الغبار عنها! ولنا مع الهيئة العربية للمسرح والتي أصبح وجودها ضرورة وعلامة مهمة عن صحة المسرح العربي وقفة أخرى.