محمد صالح صدقيان
رسالة الرئيس الامريكي دونالد ترامب للقيادة الايرانية، التي حملها المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الامارات العربية المتحدة فتح من جديد الحديث عن المفاوضات الايرانية الامريكية، بشأن البرنامج النووي الايرانية وبقية القضايا العالقة بين البلدين.
لا توجد معلومات واضحة عن مضمون الرسالة الامريكية، لكن المصادر الايرانية تتحدث عن لغة مختلفة للسلام في منطقة الشرق الاوسط استخدمتها الرسالة وإن كانت هذه المصادر تتحدث عن شروط مسبقة للحوار تضمنتها رسالة الرئيس ترامب.
وتشي الأجواء الإيرانية عن ارتياح للخطوة الأولى في مسالة المفاوضات؛ وإن ايران قررت الرد على رسالة الرئيس ترامب وهذه نقطة ايجابية حيال هذه المسالة لأن بعض الاجواء في طهران، لم تكن متفقة على الرد معتبرة تصريحات المرشد الايراني الاعلى الامام علي خامنئي الاخيرة كافية للرد على الرسالة التي كانت تحمل شروط مسبقة وهو ما يعارضه الايرانيون، الذين يطالبون بمفاوضات دون شروط مسبقة لتحقيق الاهداف التي يتطلع لها الجانبان.
رسالة الرئيس ترامب خضعت للدراسة والبحث من قبل ثلاث لجان تابعة لمجلس الامن القومي الاعلى؛ الاولى لجنة خبراء والثانية لاقتراح مضمون الرد؛ اما الثالثة فهي التي تتخذ القرار النهائي قبل رفعها لاجتماع المجلس القومي الأعلى الذي يرأسه الرئيس الايراني مسعود بزشكيان .
كان هناك اتجاهان في تقييم رسالة الرئيس ترامب، التي تزامنت مع عقوبات جديدة فرضتها واشنطن على طهران والذي كان وزير النفط الايراني من ضمن قائمة العقوبات الجديدة!. الاتجاه الاول الذي قال إن الرسالة تفتقد الجدية والنضوج بعدما احتوت على شرط مسبق للدخول في المفاوضات وان تصريحات المرشد الاعلى الاخيرة التي تزامنت مع وصول الرسالة لطهران كانت كافية وقد اعطت الموقف والتصور الايراني بشكل كامل حيال المفاوضات التي يدعو لها الرئيس ترامب. اما الاتجاه الثاني فانه رأى أن الرسالة وإن كانت تتضمن شرطا مسبقا إلا أنها حملت لغة جديدة التزم بها الرئيس ترامب حيال السلام في منطقة الشرق الأوسط، وإن الشروط المسبقة التي تحدثت عنها الرسالة، يمكن توضيحها في رد يحمل معاني التعاطي الايجابي مع الرسالة لرمي الكرة في الملعب الامريكي. وفي هذه الحالة فان واشنطن لها الخيار في قبول وجهة النظر الايرانية من عدمه.
وتقول الشروط المسبقة للرئيس ترامب إن واشنطن تدعو إيران لإعادة صياغة علاقاتها مع لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهذه الدول التي تعتبرها طهران تعمل في اطار محور المقاومة والمواجهة مع الكيان الاسرائيلي؛ وهي الخطوط الحمراء التي وضعتها طهران لنفسها في التعاطي مع حركات هذا المحور.
لا توجد معلومات واضحة على آلية تعاطي طهران مع هذه الشروط؛ كما لا توجد معلومات عن كيفية الرد الايراني عليها، لكن الأكيد أن طهران قررت الرد وإن كان المرشد قد صرح أن الرئيس ترامب لا يريد حل المسألة الإيرانية، بقدر ما هو يريد تشديد العقوبات عليها. وفي مسار مواز احتضن قصر “دياويوتاي” غرب العاصمة الصينية بكين، اجتماعا صينيا ايرانيا روسيا على مستوى معاوني وزراء خارجية الدول الثلاث الروسي سيرغي ريابكوف ؛ والصيني ما تشاو شو ؛ والايراني كاظم غريب آبادي، لاتخاذ موقف موحد حيال العقوبات الاحادية التي تفرضها الولايات المتحدة على ايران. نتائج الاجتماع كانت مهمة لإيران خصوصا ما يتعلق بإدانة هذه العقوبات والمطالبة برفعها؛ والتأكيد على القرار الاممي 2231 الصادر من مجلس الامن الدولي ؛ ودعم حق ايران امتلاك الدورة الكاملة للتقنية النووية في اطار معاهدة حظر الانتشار النووي الموقعة من قبل ايران.
هذا الموقف يقف امام موقف دول الترويكا الاوروبية التي دعت مجلس الامن الدولي لمناقشة البرنامج النووي الايراني في جلسة عقدت الخميس الفائت، والذي عارضته ايران وانتقدته باعتباره سابقة في تاريخ هذا المجلس.
اللافت ان هذه كل هذه التطورات بشأن المسألة الإيرانية حدثت خلال الاسبوع الماضي ما يؤشر على حراك داخلي ايراني واخر على مستوى الاقليم يمهد حاله لإدارة المرحلة المقبلة خصوصا بعد الاحداث اللبنانية والسورية.
تبقى الاشارة لدول الامارات العربية المتحدة التي تطوعت للعب دور في الوساطة بين واشنطن وطهران، والتي ارسلت مستشار رئيس الدولة للشؤون الدبلوماسية انور قرقاش لإيصال رسالة الرئيس ترامب للقيادة الايرانية. هذا الجهد فسره مصدر اماراتي رفيع المستوى بانه “يأتي في اطار العلاقات الثنائية والوقوف بجانب ايران الجارة؛ والعمل معا على التهدئة وتجاوز المرحلة الصعبة جدا على الجميع».
ويبدو أن الخيار وقع على دولة الامارات بعدما تطوعت عدد من الدول للدخول على خط الوساطة مثل روسيا والسعودية وقطر والمنصة التقليدية لهذا العمل سلطنة عمان. وهذا ما دفعت دولة الامارات الى اختيار انور قرقاش، الذي يمثل رئيس الدولة محمد بن زايد لحمل رسالة الرئيس ترامب، حيث تتوقع مصادر أن يقوم رئيس دولة الامارات العربية المتحدة محمد بن زايد ال نهيان بحمل الرسالة الاخيرة للوساطة للقيادة الايرانية، والتي تهيئ للمفاوضات بين طهران وواشنطن في حال مسار تبادل الرسائل بشكل ايجابي ونجح الرئيس ترامب في ترميم حاجز عدم الثقة الكبير الموجود حاليا بينه وبين القيادة الايرانية على خلفية انسحابه من الاتفاق النووي الموقع عام 2015 وفرض المزيد من العقوبات على ايران.
الرئيس ترامب يجب أن يدرك اذا ما أراد أن يستمر في مسار المفاوضات أن القيادة الايرانية ليست الرئيس الاوكراني زيلنسكي ولا أي رئيس أو زعيم اخر ؛ انها تختلف في المضمون، وفي الشكل وفي التاريخ وفي الجغرافية؛ وما يستخدمه الرئيس ترامب من سلوك مع الاخرين لا يمكن له ان يستخدمه مع القيادة الايرانية. فلكل مقام مقال ولكل حادث حديث؛ والحكيم الذي ينجح في وضع الشيء في محله.