الرُّصافيُّ.. جهودٌ لإنشاء المجمع العلميّ العراقيّ

ثقافة 2025/03/17
...

  حسين محمد عجيل

تنازع الرِّيادةَ الشعريةَ والثقافيّة في العراق الحديث، شاعران شهيران لا يمكن تناول أحدهما من دون الآخر، هما: جميل صدقي الزهاوي (1863- 1936م) الذي مرّت الشهرَ الماضي ذكرى وفاته الـ 89، ومعروف عبد الغني الرُّصافيّ (1875 - 1945م) الذي صادف يومُ الأحد (16 آذار الحالي) ذكرى رحيله الثمانين، كما يصادف هذا العامُ أيضا ذكرى مرُور 150 سنة على ولادته، وهو الذي زاملَ الزهاويَّ في عضوية أول مجمعٍ علميٍّ عربيٍّ أنشئ بدمشق سنة 1919م (حينما كان فيصل الأول ملكا على سوريا قبل قدومه العراق)

 وزاد الرُّصافيُّ على مُنافسِه بأنّه كان الشّخصيّةَ الرّائدةَ والمحوريّةَ في المُحاولات الثّلاث لإنشاء أوّل مجمعٍ مُماثلٍ في تاريخ العراق خلال عشرينيّات القرن الماضي، ولقد بلغَ من شُهرة الشّاعرين وتأثيرهما أن انقسم مُعظمُ أفراد الوسط الأدبيِّ والصّحفيِّ ونُخبِ المُتعلّمين ومُحبّي الشّعر والأدب من الشّباب والكُهُول والشُّيُوخ البغداديّين، في تفضيلهما لأحد الشّاعرين على الآخر، ما حفّزهما على مزيدٍ من التّنافس الإبداعيّ، وحَرَّك كثيرًا من المياه الرّاكدة ببغدادَ، وفي هذا شيءٌ من التّطوّر والوعي قياسًا باهتمام نسبةٍ غير قليلةٍ من شباب هذه الأيّام وكُهُولُها، المُنقسمةِ بتعصُّبٍ بين أحد فريقين كُرويّين في دولة أوربيّة.


شُهرة عربيَّة وانشغالات مُتنوّعة

ثُمّ ذاعت شُهرةُ الشّاعرين البغداديّين، اللّذين اشتركا بأُصولهما الكُرديّة، لتصلَ أصداؤها إلى البلادِ العربيّةِ كُلِّها وكذلك إلى أسماع المُستعربين والمُستشرقين المعنيّين بالأدب العربيّ الحديث، بعد انتشار قصائدهما عبر النّشْر في كُبريات الصُّحف والمجلّات ببغدادَ والقاهرةِ وبيروتَ ودمشقَ واسطنبولَ فضلًا عن بعض صُحف المهاجر، وإصدارهما طبعاتٍ مُتلاحقةً من ديوانيهما، فطُبِع ديوان الزّهاويِّ أوّل مرّةٍ ببيروتَ سنة 1909م، وهناك أيضًا صدر بعد عامٍ أوّلُ ديوانٍ للرُّصافيِّ.

وكان من أسباب هذا الذُّيوع غير المسبوق، اتّساعُ مدى اشتغالهما الثّقافيّ- بوصفهما شاعرين مُجدِّدين مُنشغلين بقضايا العصر، ومهمومين بما يُعانيه بلدهُما الحضاريُّ من تأخُّرٍ وجُمُودٍ واستبدادٍ، وسُكّانُه المُتحفِّزون للتّطوّر في كُلِّ العُصُور من استلابِ الإرادة وشُيُوعِ الأُمّيّة- ليشملَ الانغمارَ في عوالمِ الصّحافةِ والسّياسةِ وقضايا المُجتمعِ ولا سيما المرأة، والاشتغالَ في مجامعِ اللُّغة ودراسةِ العامّيّة العراقيّة، والتّرجمةَ والكتابةَ والتّأليفَ في حُقُول الأدب واللُّغة والفِكر، وانعكس ذلك كُلُّه في شعرهما بمُحاولاتهما الدّائبة لتحديث موضوعاته وأغراضه وتطويع لُغته. 

واحتفاءً بترادف مُناسبتي الرُّصافيِّ هذه الأيّام، ولأنّ الشُعُوب والأُمم الحيّة تنتظر حُلولَ أمثالِ هذه المُناسبات الخاصّةِ برُمُوز ثقافتها، للاحتفاء بهم على أوسع نطاقٍ، رأيتُ أن أستذكرَ الرُّصافيَّ من زاويةٍ لم تُسلَّطْ عليها أضواءٌ كافية، تعريفًا بجُهُوده قبل قرنٍ في مُحاولات إنشاء أوّل مجمعٍ علميٍّ عراقيٍّ.


مئة عامٍ على إنشاء أوّل مجمعٍ عراقيّ

في خريف العام المُقبل سيكون قد مرّ قرنٌ على أوّل مُحاولةٍ رسميّةٍ جدّيّةٍ لإنشاء مجمعٍ علميٍّ في العراق، ليكون الرّاعيَ للُّغة العربيّة، والمُعتني بتطويرها، والسّاهرَ على مُواكبتها لمُتطلّبات العصر من خلال وضْعِ الاصطلاحات الجديدة الّتي اشتدّت الحاجةُ إليها في بناء مُؤسّساتِ دولةٍ ناشئةٍ، وليكونَ المرجعَ المُعتمَدَ لها في إصلاحِ لُغة مدارسها ودواوينها. وهي مُحاولة وُئدت- من أسفٍ- بعد أشهرٍ معدودةٍ، برُغم أنّه قد توفّر لها كثيرٌ من عوامل النّجاح والدّيمومة خلافًا لمُحاولتين سابقتين، كإشراف وزارة المعارف على المشروع، واعتمادها تخصيصًا ماليًّا له (مقداره 10 آلاف رُبِّيّة) في ميزانيّتها، وإسنادها أمرَه إلى خبيرين قديرين هما الرُّصافيّ وعالم اللُّغة البارز الأب أنستاس ماري الكرمليّ (1866- 1947م)، صاحبي التّجربة الرّائدة في عمل المجامع؛ بانتخاب الكرمليّ عُضوًا في المجمع العلميِّ العربيِّ بدمشقَ سنة 1921م، وانتخاب الرُّصافيِّ عُضوًا فيه سنة 1923م بترشيحٍ من مُؤسِّسه ورئيسه الأوّل العلّامة السُّوريِّ مُحمّد كُرْد علي، فاستقطبا بعد هذا التّكليف نُخبةً من كبار العُلماء والأُدباء من عراقيّين وعربٍ مُقيمين في العراق للتّدريس في كُلّيّاته ومعاهده، من المشهودِ لهم بالخبرة اللُّغويّة والقُدرة والرّغبة في أن يكون للعراق مجمعٌ يليق بتاريخه الحضاريِّ، ولكن بِوَأدِ هذا المشروع فقدتْ بغدادُ المُنافسةَ الثّقافيّةَ مع شقيقتَيْها: دمشقَ الّتي سبقتْ إلى إنشاء أوّل مجمعٍ، والقاهرةِ الّتي لحقتها فأنشأتْ مجمعَها سنةَ 1932م، وتأخَّرَ إلى سنةِ 1947م إنشاءُ المجمع العلميِّ العراقيِّ القائم حاليًّا، الّذي احتُفيَ نهاية سنة 2022م بعِيدِه الماسيِّ. 


غيابُ الوثائق والصُّور

لا تتوافر بأيدي الباحثين- من أسفٍ- الوثائقُ والصُّورُ الكاشفةُ عن تلك المُحاولة الرّائدة، ولا عن جُهُود اللّجنة المنوط بها أعمال المجمع ومُنجزها خلال الأشهر السّبعة الّتي نشطت فيها، ولولا أنّ الأديب والصّحفي الرّائد رُوفائيل بُطِّي (1901- 1956م) قد كتبَ في ذلك الأوان ثلاثَ مقالاتٍ مُهمّةٍ عن ضرورات التّأسيس، وشرحَ بعضَ تفاصيلِ مُحاولاته الثّلاث، مُتوقِّفًا عند جدّيّة المُحاولة الثّالثة، ومُعرِّفًا فيها بالمُؤسِّسين وبرنامج عملهم، لضاعت من بين أيدي الباحثين كثيرٌ من الحقائق عنه. ويُسعدني أنّني وقفتُ على أربعِ وثائقَ تُلقي شيئًا من ضوءٍ خافتٍ على المشروع وكيفيّة إدارته في الأشهر الّتي كان فيها قائمًا بين سنة 1926 و1927م، ثلاثٌ منها بخطّ الرُّصافيّ أحد أبرز القائمين عليه، وواحدةٌ بقلم كامل الجادرجي (1897- 1968م) الشّخصيّة الوطنيّة المعروفة، وهذه الوثائقُ تنُشر هُنا لأوّل مرّة. 


مُقدِّمات التّأسيس ودور الرُّصافيِّ فيها

سبقت إنشاء المجمع العراقيِّ الأوّل الموؤدة سنةَ 1926م، مُحاولتان لم يُكتب لهما التّوفيقُ أيضًا، وكان الرُّصافيُّ القاسمَ المُشترك فيها كُلَّها، الأولى جرت في شهر تشرين الأوّل 1921م لإنشاء (لجنة التّرجمة والتّعريب) واختير الرُّصافيُّ نائبًا لرئيسها، مهمّتُها "تعريب الكلمات الإفرنجيّة ووضع أسماء للمُسمّيات الأجنبيّة الّتي لا اسمَ لها في اللُّغة العربيّة" على حدّ تعبير رُفائيل بُطيّ في مقالةٍ نشرتها مجلّة (لُغة العرب) البغداديّة في كانون الأوّل 1926م، ولكنّها مُحاولة ماتت في مهدها.

ثُمّ تلتها مُحاولةٌ ثانيةٌ جرتْ مُستهلّ سنة 1925م، نهض بها نادٍ أدبيٌّ أهليٌّ ببغدادَ هو المعهدُ العلميُّ، استضافَ نُخبةً من كبار الشّخصيّات الأدبيّة، في صدارتها الرُّصافيُّ والزّهاويُّ، تنادت إلى الدّعوة لإنشاء مجمعٍ لُغويٍّ، ووضعت ملامحَ هذا المجمع وأهدافه، وبعد سلسلةٍ من الاجتماعات الّتي لقيت دعمًا من الحُكومة والملك، انتهت إلى مصيرِ سابقتِها، غير أنّها تركت أثرًا، فسُرعان ما تبنّت وزارةُ المعارف المشروعَ في أثناء استيزار عبد الحسين الجلبي (1877- 1939م) في وزارة عبد المُحسن السّعدون الثّانية، فقرّرتْ إنشاءَ مجمعٍ علميٍّ، ووضعتْ له اعتمادًا في ميزانيّة سنتها الماليّة الجديدة (١٩٢٦- ١٩٢٧)، وذلك "بعناية وزير المعارف وهِمّة مُدير المعارف العامّ ساطع بك الحُصري، فصدَّقه مجلسُ الوزراء وأقرّه مجلسُ الأُمّة في اجتماعه الأوّل الاعتياديّ"، كما ذكر رُفائيل بُطِّي في مقالته بمجلّة (لُغة العرب) في كانون الثّاني 1927م: "المَحْفى العراقيّ الجديد"، و(المَحْفى) اسمٌ فضّله الكرمليُّ على (مجمع)، لكنّها تسمية لم تحظَ بالشُّيُوع.

وأضاف بُطّي: "وفي ٢٨ أيلول ١٩٢٦ وجَّهَ وزيرُ المعارف كتابًا إلى الأُستاذ معروف الرُّصافيِّ والأب أنستاس ماري الكرمليِّ هذا حرْفُه: (لقد قرّرنا تأليفَ مجمعٍ لُغويِّ وفْقًا للتّعليمات المربوطة، وانتخبناكما عُضوين لهذا المجمع لِما نعهدُه فيكما من التّضلُّع في اللُّغة. ونرجو أن تجتمعا لانتخاب بقيّة الأعضاء نظرًا للمادّة الخامسة من التّعليمات المذكورة، ونتمنى لكما وللجميع النّجاح".


ثُنائيّة الرُّصافيّ- الكرمليّ

وتنصُّ التّعليماتُ المُشار إليها، على أنّ اللّجنة تتألّفُ في وزارة المعارف من ثمانية أعضاءٍ يرأسهم مُفتّشُ التّدريسات العربيّة بالوزارة (وهو معروف الرّصافيّ)، وأنّ تنتخبَ الوزارةُ عُضوين فقط وتتركُ لهما حقَّ انتخاب الثّالث، ليجتمعَ هؤلاء الثّلاثةُ وينتخبون الرّابع، وهكذا حتّى يكتمل العددُ المطلوبُ، على أن يكون هؤلاء الأعضاء المُنتخبون جميعًا مُتضلِّعين من اللُّغة العربيّة، علاوة على اتقان ثلاثةِ أرباعِ الأعضاء إحدى اللُّغات الأوربيّة.

وبناءً على هذا التّكليف، اجتمع الرُّصافيُّ والكرمليُّ يوم الأربعاء ٢٩ أيلول ١٩٢٦م في وزارة المعارف لانتخاب أوّل عُضوٍ، وأسفرت سلسلةُ الاجتماعاتِ تباعًا عن انتخاب الأعضاء السِّتّة: طه الرّاوي، عزّ الدّين علم الدّين التّنوخي (سوريّ)، د. أمين المعلوف (لُبنانيّ الأصل)، توفيق السّويدي، عبد اللّطيف الفَلاحي، ورُستم حيدر (لُبنانيّ الأصل).


منهاج اللّجنة المجمعيّة ودُستورُها

كان منهج اللّجنة أن تجتمع أُسبوعيًّا في وزارة المعارف، للنَّظَر في الاصطلاحات العلميّة والأدبيّة وكُلّ ما يجدُّ ويحدث من الكلمات، وخاصّة الاصطلاحات الّتي تُستعمل في المدارس والكُتُب المدرسيّة، وأن تُنسِّق في ذلك مع المجمع الدّمشقيّ، وتُرك لها أن تنتخبَ عُضوًا جديدًا إذا خلا كُرسيُّ أحد أعضائها لأيِّ سبب. 

وقد وضعت اللّجنةُ سبعَ قواعدَ في وضع الاصطلاحات الجديدة هي بمثابة دستورٍ لها، منها أنّ يجري الوضْعُ على طريقة الاشتقاق أو على طريقة التّعريب، ولا مانع من الجمْعِ بينهما بعد استنفادِ الجُهْدِ بحْثًا في المعاجم عن لفظةٍ تُؤدِّي المعنى، شرطَ أن تكون مأنوسةً غيرَ نافرةٍ، فالشّائعُ المشهورُ يُرجَّحُ على المهجور.


وثائق بخطّ الرُّصافيِّ والجادرجيّ تُنشَرُ لأوّل مرّة

سأنشرُ في أدناه ثلاثَ رسائلَ بخطِّ الرُّصافيِّ كان وجَّهَها إلى الكرمليِّ عُضو اللّجنةِ المجمعيّة، تكشفُ الأُولى (وتاريخها: السّبت 6 /11/ 1926) عن سعي اللّجنة لإنشاء مكتبة لُغويّة، تكونُ مجلّةُ (لُغة العرب) نواتَها. وتُقدِّم الثّانيةُ (وتاريخها: السّبت 4 / 12/ 1926) أُنموذجًا يُظهِرُ بدءَ اهتمام الوزارات بعمل المجمع، وطبيعة الأسئلة الخاصّة بترجمة الاصطلاحات، فقد حَوَّلَ للكرمليِّ رسالةً خطِّيّةً وردته من كامل الجادرجيِّ المُساعِدَ الشّخصيَّ لوزير الماليّة، يوم الاثنين 29/ 11/ 1926 تتضمّن طلبَ ترجمة لفظة "prfile"، وكامل الجادرجيُّ من أقرب أصدقاء الرُّصافيِّ، وكان يُسمِّيه (كامل الخَيّام)؛ لأنّ لفظةَ (الجادر) التُّركيّة، تعني القِماشَ الّذي تُصنع منه الخِيامُ. 

ويطلبُ من الكرمليِّ في الرّسالة الثّالثة والأخيرة (وتاريخها: الثّلاثاء 29 آذار 1927م) الحُضُورَ قبل موعد اجتماع اللّجنة، وهي تكشفُ أنّ موعد هذه الاجتماعات يكون بعد الظّهر، وأنّها أخذت تنعقدُ في أيّامٍ أُخرى فضلًا عن الخميس، ما يعني تزايدَ أعمال المجمع. 

إنّ حياةَ الرُّصافيِّ المُضطربةَ، ولا سيما في أعوامه الأخيرة، قد لا تمنحُ أملًا كبيرًا بالعُثُور على إجابات الكرمليِّ وغيره من أعضاء هذا المجمع المُوجّهة للرُّصافيِّ، لكنَّ الأملَ يبقى قائمًا بإمكانيّة أن يجود الزّمانُ بالكشف عنها وعن غيرها من وثائق هذه المجمع الرّائد.

الرّسالة الأولى:

6 تشرين الثّاني سنة 1926

تحيّةً واحترامًا.

وبعدُ، فقد كلَّمْتُ الآنَ حضرةَ ساطع بك في مسألة الاشتراك في مجلّتكم الغَرّاء، فتقرَّرَ أن يكونَ لوزارةِ المعارفِ ثمانيةُ اشتراكاتٍ فيها، أحدُها للّجنةِ والبقيّةُ تُوزَّعُ على المدارسِ الثّانويّةِ في العراق، كما تقرَّرَ أن تُشتَرى بقيّةُ الأجزاءِ من السّنةِ الأُولى إلى نهايةِ السّنةِ الثّالثةِ، على أن تكونَ هذه الأجزاءُ للّجنةِ فقط.

هذا وقد لزمَ أن أُعْلِمَكم بذلك، ولكم وافرُ الاحترام.

  المُخلص

معروف الرُّصافي


الرّسالة الثّانية:

العَلّامة المِفضال الأب أنستاس ماري الكرمليّ المُحترم

سيِّدي:

جاءني هذا الكتابُ فأرسلتُه إليكم رجاءَ أن تتفضّلوا بالجواب؛ لأنّه مُستعجلٌ واللّجنةُ لا تجتمعُ إلّا في يوم الخميس الآتي. أنا مُنتظِرٌ جوابَكم سيّدي.

4 كانون الأوّل 1926

  المُخلص

معروف الرُّصافي


مُلْحَقُ الرّسالة الثّانية: سؤال كامل الجادرجي:

سيِّدي المُحترم:

أكونُ مُمتنًّا جِدًّا لو تفضّلتُم فأخبرتُموني ما يُقابلُ كلمةَ "prfile" في اللُّغة العربيّة، الّتي أظنُّ ترجمتَها: "رَسْمُ المنظرِ الجانبيِّ للوجه". ولحضرتِكم الشُّكْرُ سَلَفًا سيِّدي المُحترم.

29/ 11 / 1926

 المُخلصُ لكم

كامل الجادرجي

عُنواني: كامل الجادرجي، المُساعِد الشّخصيّ لوزير الماليّة- بغداد.


الرّسالة الثّالثة:

سيِّدي

أرجو حُضُورَكم اليومَ في اللّجنةِ قبل الوقت المُعيَّن. أي في السّاعة الواحدة بعد الظُّهر. ولكم الفضْلُ.

29 مارت 1927

الرُّصافي


لماذا نُسِف المشروع سنة 1927؟

بعد استقالة وزارة عبد المُحسن السّعدون، وتشكيل جعفر العسكريّ وزارته في تشرين الثّاني 1926م، تولّى وزيرُ المعارف الجديد عبد المهدي المنتفكي (1889- 1972م) مُتابعة عمل اللّجنة المجمعيّة، قبل أن ينسفَ المشروعَ في ذُروة نشاطِ لجنتِه بين شهر نيسان وأيّار 1927م، بعد أن طلبَ من كُلِّ عُضوٍ في رسالةٍ رسميّةٍ "أن يعمل للوطن وللعلم بغير أُجرة" دفعًا لهم كي يستقيلوا، مع أنّ الأُجرة كانت 15 رُبِّيّة أُسبوعيًّا وهي مُدرجة في الميزانيّة، ويصرفها العُضو على شراء مُتطلّبات عمله، كما كشف الكرمليُّ عن ذلك بهذا العُنوان المُثير "سُجِّلَ على العراق أن لا ينهض: نَسْفُ المَحْفى" في مجلّته (لُغة العرب): العدد الأوّل من المُجلّد الخامس، الصّادر مُنتصف 1927م. وإمعانًا في إعلام الرّأي العامّ عن سوء النّيّة المُبيّت من وراء نسْفِ المشروع، نشرَ الكرمليُّ، بدهاءٍ، بعد صفحتين من خبر نسْفِ المشروع، خبرًا عن مدرسة زراعيّة افتتحتها الوزارةُ ذلك العام وخصّصتْ لها 84490 رُبّيّة، مع أنّه لم ينتظم فيها سوى 13 طالبًا طردت الوزارةُ نصفَهم، مُبيّنًا أنّ الوزارة كانت بذلك تصرَف على كُلِّ طالبٍ عشرةَ آلافِ رُبّيّة! تاركًا للقارئ اللّبيب أن يُقارن ويحكم بنفسه. 

ختامًا آملُ أن أكونَ قد جلوتُ بهذا الاستذكار صفحةً مُؤلمةً من تاريخنا الثّقافيّ، ومَلْمَحًا غائبًا من حياة الرُّصافيِّ الّذي حفرَ في الصّخر طريقَه إلى الإبداع، وقدَّمَ مثالًا فذًّا في العصاميّة، وشكّلتْ حياتُه في مُعظم أطوارها، أُنموذجًا مُختلفًا للمُثقّف العُضويِّ الّذي ينتمي بصدقٍ إلى أفكاره ويعيشها، ويُقدِّس الكلمةَ، حتّى وأن حتّمتْ عليه أن يُلاقي بشجاعةٍ من العُسْر والفاقةِ في عَقْديه الأخيرين ما قد يدفع غيره إلى المُداجاة.. وعسى أن أكونُ نبّهتُ بذلك الجهاتِ الثّقافيّةَ الرّسميّةَ المنوط بها إحياءُ أمثال هذه المُناسبات، إلى ضرورات أداء دورها هذا العام حيال رجل النّهضة الكبير في ذكرى مُرور 150 على ولادته بما يليقُ بقامته العاليِة في تاريخ ثقافتِنا، كعُلوِّ تمثالِه في وسطِ بغداد.