أوسكار97.. ثيماتٌ وقضايا مختلف عليها

ثقافة 2025/03/17
...

 مبارك حسني 


مقدمة لا بد منها

هو أبرز محفل سينمائي عالمي، خارج المهرجانات السينمائية، وهو مخصص فقط لتوزيع جوائز من طرف أكاديمية الفنون وعلوم السينما بلوس أنجلوس، خلال ساعات عرض فنية. وقد عُقد قبل أيام حفله السنوي السابع والتسعون، الذي كان ينتظره الملايين من المشاهدين، لأسباب ليس اقلها التوجهات السينمائية التي يراد إيصالها، أو ما قد يعكسه في العلاقة مع قضايا العالم، وإن بشكلٍ غير مباشر. فالأمر يتعلق بقلعة السينما، هوليوود. وهذه الأخيرة، تعتبر إحدى الصناعات الاميركية القوية، ومجال لنشر الصوت الأمريكي عالمياً.وقد نظمت هذه النسخة، بعد شهر من انتخاب دونالد ترامب رئيساً على الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي اختار مؤخراً ثلاثة ممثلين من عيار ثقيل كسفراء له في مجال السينما، وهم جون فويت وميل جيبسون وسيلفستر ستالون.  

وأوردت جلّ وسائل الإعلام الدولية قوله بأن " هذه الشخصيات الموهوبة سيكونون عيناي وأذناي، وسأفعل ما يقترحونه عليّ. سنعيد، مثلما فعلنا مع الولايات المتحدة الأمريكية، العصر الذهبي لهوليوود!". لذا لم يكن غريباً ألا يتمّ التطرق إليه أو إلى الانتخابات، في الخطابات الملقاة خلال الحفل، تجنباً لأي توتر. مما يدل على تواري البعد السياسي في جوائز الأكاديمية، عدا في حالات معيّنة.


انتصار السينما المستقلة 

واول ما يلاحظ هو فوز فيلم "أنورا" للمخرج المستقل شون بيكر بخمس جوائز، هي أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مونتاج وأفضل ممثلة التي فازت بها مايكي ماديسون. بخصوص الفيلم. فهو فعلا، فيلم مؤلفٍ على الطريقة الأمريكية. فمعروف عن المخرج أنه يفضل دوماً تناول مشاكل الطبقات الاجتماعية والجنس، مع اتباع جماليات فنية يستشف منها أثر مؤسس السينما المستقلة المخرج الكبير جون كاسافيتش، "بأسلوبه الفوضوي الحر ورحلته الجامحة، حيث تلتقي العفوية بحرارة المشاعر بين الرجال والنساء. إنه فيلم عظيم [...] وفيلم سياسي يعكس أميركا بين أصحاب النفوذ والمهمشين". وهو ما " يبعث برسالة أمل، ويظهر إمكانية إعادة ابتكار السينما" حسب ما قاله أنطوان كيو، الناقد السينمائي بإذاعة فرانس الثقافية. والأهم في كل هذا، هو أن شون بيكر رفض بشدة أموال نتفليكس، التي تسعى إلى السيطرة على سوق السينما، وقد قال في هذا الصدد "تم إنجاز هذا الفيلم بفضل دماء وعرق ودموع فنانين مستقلين مذهلين". ولم يغفل الإشارة إلى المطالبة بإعادة عرض الأفلام في قاعات السينما، لخوض التجربة السينمائية الحقيقية. (لوموند 3 / 3 / 2025). وقد أضاف أن الفيلم تم إنتاجه بمبلغ لا يتجاوز ستة ملايين دولار. ويجب الذكر أن انورا سبق له أن حاز على السعفة الذهبية في مهرجان كان الأخير.

فيلم آخر مستقل، The Brutalist، حصل على ثلاث جوائز هي أفضل تصوير سينمائي وأفضل موسيقى، بالإضافة إلى جائزة أفضل ممثل التي نالها أدريان برودي. وهو ما يبدو كإشارة إلى دعم السينما المستقلة، لكن لا يمكن الجزم تماماٍ في ذلك.  تقول بهذا الصدد الناقدة السينمائية الفرنسية بجريدة لوموند، ميرييل جودي : "يبدو لي أن كل حفل توزيع جوائز الأوسكار يعارض الحفل الذي سبقه. فبعد تتويج أفلام مثل باربي وأوبنهايمر من قبل، تم تتويج فيلم مستقل. هذا التنوع الذي يميّز الأوسكار هو، من الناحية النظرية، علامة على صحة السينما [..] ولا أدري إن كان يعكس شيئًا حقيقيًا. أجد صعوبة في رؤية منطق أو نية واضحة وراء التصويت".


السينما الاخرى

ولم يفز الفيلم المنافس لفيلم "أنورا"، "إميليا بريز" الفرنسي الناطق بالإسبانية، للمخرج جاك أوديار، سوى بجائزتين. أفضل ممثلة في دور ثانوي وجائزة أفضل أغنية. وقد كان مرشحاً في ثلاث عشرة فئة، وهو رقم قياسي لفيلم غير ناطق بالإنجليزية. ويعود السبب في هذه النتيجة المخيبة لأصحاب الفيلم إلى تداعيات تغريدات قديمة لبطلة الفيلم كارلا صوفيا غاسكون، والتي تضمّنت محتوى عنصريًا ومعاديًا للإسلام.  قالت فيها : " أن هناك عددًا أكبر من المسلمين في إسبانيا؟ في كل مرة أذهب لاصطحاب ابنتي من المدرسة، أرى المزيد من النساء اللواتي يغطين شعرهن ويرتدين تنانير تصل إلى الكعبين. العام المقبل، بدلاً من الإنجليزية، سنضطر إلى تدريس العربية." ووصفت جورج فلويد، الأمريكي الأسود الذي خُنق وقُتل على يد الشرطة في عام 2020، قائلة إنه مدمن مخدرات ومحتال. ولم يسلم حتى حفل الأوسكار من انتقاداتها، حين شبّهته بحفلٍ "لأفلام مستقلة ومعارضة، أو كمهرجان أفريقي كوري، أو كمظاهرة لحركة حياة السود مهمة"، كما ورد في العديد من الصحف والمجلات العالمية. ويبدو أن اعتذاراتها بعد ذلك. لم تشفع للفيلم. 


فلسطين حاضرة 

وعادت جائزة أوسكار أحسن فيلم وثائقي، للفيلم الفلسطيني النرويجي، "لا أرض أخرى" "No Other Land"، وهو يتناول "الصراع الذي يدور منذ عقدين بين سكان منطقة مسافر يطا، في الضفة الغربية، والجيش الإسرائيلي والجناح المتطرف من المستوطنين اليهود"، كما جاء في صحيفة "هآرتس"، وأعادت نشره مجلة لوكورييه انترناسيونال الفرنسية في عددها رقم 228362. وهو من إخراج أربعة مخرجين، الإسرائيليان يوآف أبراهام وراشيل سور، والفلسطينيان باسل عذرا وحمدان بلال المنتمين إلى مجموعة معارضة للاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية. وقد سبق له أن حاز في مهرجان برلين السينمائي 2024، على جائزة أفضل فيلم وثائقي، وعلى جوائز الفيلم الأوروبي في كانون الاول 

الماضي. 


خلاصة 

  أكد حفل الأوسكار هذا العام في لحظاته الكبرى التي دامت طيلة قرابة الأربع ساعات، على عكس هموم عالمية تستحق الوقوف عندها، رغم ارتكازه على ثيمات وقضايا لا يتفق عليها الكل.