بغداد: رشا عباس
تصوير: نهاد العزاوي
"رمضان في الأغنية العربية وأبعادها التاريخية" كان عنوان الأمسية الرمضانية التي نظمتها مؤسسة المدى للثقافة والفنون، في شارع المتنبي بالتعاون مع معهد غوته الألماني، وبمشاركة الفرقة الموسيقية بقيادة الفنان قاسم الرحال، اذ شهدت الجلسة استعراض عدد من الأغاني الرمضانية التي انتشرت في البلدان العربية والتي تمتد بعضها إلى أزمان بعيدة، الأمر الذي جعل المهتمين يسلطون الضوء عليها وعلى أبعادها التاريخية.
الباحث الدكتور عبد الله المشهداني خلال حديثه ذكر بعض الموشحات والابتهالات العربية التي تشابه إلى حد ما مناقب وأذكار الموسيقار العراقي ملا عثمان الموصلي، فضلاً عن أداءات رمضانية أخرى كدعاء رمضان الذي قدمه الراحل روحي الخماش "يا اله الكون" الذي يوجد على غراره دعاء للسيد النقشبندي في مصر، كذلك "الماجينا" التي تسمى بالقرقيعان في السعودية والخليج وأحياناً تسمى حق الشهر، بالإضافة إلى تسميات أخرى منها "اعطونا الله يعطيكم لبيت مكة نوديكم" والتي يرددها الأطفال، ونرى ترديدة "حلو ياحلو" في مصر تحمل المعنى
نفسه.
وأضاف المشهداني: من أشهر وأقدم الأغاني الرمضانية التي تعيش ليومنا هذا منذ ما يقرب من مئة سنة هي أغنية "وحوي يا وحوي" للفنان أحمد عبد القادر، وكلمات حسين حلمي، تلك الأغنية الذي اختلف النقاد على أصلها، فالبعض يرى أنها فرعونية وتعني "يا فرحتي بالقمر"، والبعض الآخر يرجعها إلى الدولة الفاطمية في مصر عندما وصل الخليفة المعز لدين الله إلى الجيزة واستقبله الناس بالفوانيس للإضاءة من هنا باتت الفوانيس طقساً
رمضانياً.
أما الموسيقار عمار الشريعي فيرجع زمن الأغنية إلى نحو مئتي سنة، ويشير إلى أن كلماتها عربية، فمعنى كلمة وحوي أوحي أي
امتلك.
ويسترسل المشهداني بالحديث عن أغنية أخرى أخذت صداها بين المسلمين وهي "رمضان جانا" والتي تعيش منذ 80 عاماً لمحمد عبد المطلب، كلمات حسين طنطاوي وألحان الموسيقار محمود الشريف وغيرها من الأغاني التي أشعرتنا بروحانية رمضان منها أغنية "هات الفوانيس يا ولاد" لمحمد فوزي وأغنية "رمضان اهو جه ياولاد" للثلاثي المرح، أما في منطقة الشام وما حولها، فقد شهد الإنشاد الرمضاني ظهور عدد من المنشدين، ولا سيما الحلبيون، ومن أشهر تلك الموشحات "رمضان كريم" للمنشد الحلبي صبري مدلل، و"رمضان تجلى وابتسم " للمنشد توفيق المنجد وفي لبنان أغنية "علوا البيارق" للمطرب أحمد قعبور والتي أحسن إخراجها، حيث أطل على المشاهدين في الثمانينيات أيام الحرب الأهلية في
لبنان.
في المغرب العربي اعتمدت النشاطات الرمضانية على نكهة الموشحات الأندلسية التي انتقلت مع المسلمين القادمين من الأندلس إلى المغرب العربي وامتزجت مع المقام حيث تشكلت مدارس عديدة حافظت على التراث الرمضاني منها مدرسة الحوزي في الجزائر.
من جانبه، أشار الباحث ستار الناصر إلى أن المصدر الأساسي في الأغنية الرمضانية هي الفيلم كونه الناقل الأوسع للأغنية الرمضانية، لذلك فإنها توسعت في مصر، كونها نقلت عبر الأفلام بخلاف باقي الدول، مبيناً أن الأغنية العراقية هي الأقرب له، كونها تتميز بالعراقة والوعي
والعمق.
وعن أهمية الموشحات الرمضانية وتأثيرها في المتلقي استطلعت "الصباح" آراء بعض المهتمين منهم الفنان نجاح عبد الغفور والذي حرص على تقديم عدد من الموشحات لشهر رمضان قائلاً: "الأغنية الدينية في رمضان تهدف إلى تعزيز أسس العلاقة بين الإنسان وخالقه من خلال ذكر العبادات والتغني بها وشكر الإنسان ربه والحمد والتسبيح بأشكاله المتعددة والتغني بالمناسبات الدينية والاحتفاء بها كرمضان والأعياد لتعميق صلة الإنسان مع موروثه الحضاري وفولكلوره، لأننا نعي أهمية الأديان
والعقائد في مجتمعنا". وأشار عبد الغفور إلى أن الأغاني الرمضانية تسهم في تعزيز الروح الجماعية، فهي ليست مجرد أناشيد ترفيهية، بل تعد وسيلة لتوحيد الناس حول قيم الشهر الكريم والمنظومة الأخلاقية، وتعزيز الشعور بالانتماء إلى التراث الثقافي العربي، فضلاً عن تأكيد الهوية الثقافية للأطفال الذين يتعرفون من خلالها على الشهر المبارك وأجوائه الروحانية
الرحبة.
بينما يلفت المايسترو علي خصاف إلى أن جهة الانتاج تقف حجر عثره أمامنا، فقد قدمنا الكثير من الابتهالات دون أن تجد طريقها إلى الشاشات والإذاعات للأسف، ونشاهد الإذاعات العربية تقدم أعمالاً لها خصوصية في النص والايقاع البطيء بعيداً عن الايقاعات الخفيفة، متمنياً أن ترى أعمالنا النور وتظهر في كل عام لتبهر
المتلقي.