في يومه العالمي.. الشعر وآفاق عودة السيادة

ثقافة 2025/03/23
...

  مآب عامر

في ذكرى اليوم العالمي للشعر الذي يصادف 21/ آذار من كل عام، ربما يأخذنا التفكير به إلى مدى أهمية الشعر في إلمامة بالتاريخ والثقافات المختلفة، وكذلك إلى ما يقوله الشاعر ت. س. إليوت "علينا أن نتوقع حلول وقت يعاد فيه إحياء الشعر في الخطابة" في عصر بدأت المفاهيم تتغير فيه وتتشكل وفقاً لمقاييس العوالم الرقمية والخوارزميات، تلك التي فرضتها سلطة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. فهل أصبح ما يخلقه الشعر من معنى ليس له معنى، وكيف نرى الشعر في يومه العالمي، وهل الاحتفاء بيومه هذا يعزز بالفعل تدريس الشعر ونشره وكتابته وقراءته حول العالم؟.

ينظر الشاعر محمد جلال الصائغ إلى اليوم العالمي للشعر بأنه فرصة للاحتفاء والتذكير بمكانة الشعر بوصفه وسيلة للتعبير عن المشاعر الإنسانية العميقة.

ويقول الصائغ إنَّ "الشعر الذي يواجه مثل باقي مجالات الابداع البشري محاولات ربما تكون غير متعمدة للإقصاء والطمس من شبكات التواصل الاجتماعي ومنصاته وصولاً إلى برامج الذكاء الاصطناعي". 

ويرى الصائغ أنها محاولات تجعلنا نحن المنشغلون بالهم الثقافي نعيد ترتيب أوراقنا لمواجهة كل ما يمكن أن يبعد الشعر عن المتلقي، لذلك يجب الاستفادة من هذا اليوم لتذكير الناس بأن الشعر هو ديوان العرب الذي حفظ لنا قصص الحب العظيمة وذكريات الحروب التي شارك فيها الشعراء الفرسان وذكريات انتصاراتهم وانكساراتهم.

ويضيف أن "يوم الشعر هو فرصة أيضاً لتقبل جميع الأشكال الشعرية من الشعر الكلاسيكي إلى شعر ما بعد الحداثة فكل هذه الأشكال هي خلاصة تجارب بشرية مثخنة بالجراح إثر مواجهتها الشرسة مع قبح العالم". 

أما الشاعرة فراقد السعد فترى أن محبي الشعر في اليوم العالمي للشعر يدعوهم إلى رموز الشعر وكيف أضاءت نجومهم عوالم الشعر، وكيف صاغوا تلك العبارات التي أخذت من وجدان الحس الجمعي الكثير، لتغدو أمثالا ونبراسا لجمال التركيب اللغوي. 

وعن أهمية اليوم العالمي للشعر بوصفه يعزز القراءة والكتابة وتدريس الشعر، فتقول السعد إن "تدريس الشعر لا يكون له ذلك التأثير إلا من خلال أكاديمي لغوي له ولع بالأدب وبأي صنف من صنوفه، لهذا نشد على أيدي شبابنا الجديد وهم يخطون إلى سبل الأدب بروح فياضة للشعر وتعلم أساليبه من أبوابه الصحيحة". 

من جهته يرى الشاعر عدنان الفضلي ألا يمكن حصر الشعر أو القصيدة بيوم محدد، ولكننا نحتاج لموعد معين نقول من خلاله كلمة موحدة تصل جميع أنحاء العالم، فالبيانات السنوية التي تصدرها الجهات المعنية بالشعر ليست سوى رسائل محبة وجمال تجعل المتلقين يشعرون بأهمية الشعر ورسائله.

ويقول الفضلي إن اليوم العالمي للشعر لا يمكن وصفه بأنه احتفالية سنوية فقط، بل هو تذكير بضرورة استعادة الشعر وتجديده والتذكير بطرد الرديء منه خصوصاً بعد أن تأثر الشعر كثيراً بـ "السوشيال ميديا" الذي سمح للطارئين باقتحام هذا العالم الرافض للقبح.

ولا يؤمن الفضلي في أن هذا اليوم قد يعزز القراءة والكتابة وتدريس الشعر، ويرى أن هذه الموضوعة مرتبطة برغبة الشاعر والمتلقي، وكذلك بمدى التأثر بالغواية الشعرية، ويضيف: لا يمكن ليوم الشعر العالمي أن يكون حافزاً لتدريس الشعر، بل لتطوير أدواته، والتعاطي مع المتغيرات والمدارس الشعرية المتجددة.

ويعد يوم الشعر العالمي عتبة لمراجعة ما يستجد لهذا الفن الجدلي المبني على مفارقة السائد والمعروف اتجاه التشفير والغموض الفني، بحسب الدكتور الشاعر عمار المسعودي، ويقول إن "هذا اليوم يمنح الشعرية طاقة مضافة جماليا مع ما توفره من عمق جراء الحفر العميق والجوهري في أحجار اللغة أولا وعناصر الكون ثانيا".

ويضيف المسعودي أن "الشعريات الحقيقية هي اجتياز للمألوف وتكسير للصلادة وفتح للنوافذ".

ويتابع أن "الشعرية هي انتاج الفضاءات غير المرئية وهي فعل كوني يتم بوحدة الوجود، ففي الشعرية تنجز التحولات على مسافة تعريف المجهول أو تجهيل المعروف هي العزف الخفي لأنامل غائبة عن التلويحات".

ويعتقد المسعودي أنه لا يمكن أن يكون الموضوع فعلاً شعرياً، بل الأثير غير المشاهد وغير المحسوس برحلة جدلية من الحسي إلى الذهني ومن الذهني إلى الحسي، وأن الشعرية ليست بيانا ولا عرفانا، بل هما معا لا تفريقا ولا تجميعا بل هما معا. 

يتناول أستاذ الشعر في أكسفورد جايمس فنتن (1994- 1999) رسالة كيتس إلى رينولدز، نظرته إلى الشعر، قائلاً: "ربما يقال إننا يجب أن نقرأ عن معاصرينا، وان الشاعر ويليام وردزوث ورفاقه لا بد أن يستحقوا انتباهنا. لكن أيجوز، من أجل بضع فقرات جميلة متخيلة أو محلية أن نُقحم في فلسفة معينة تكونت بفعل نزوات مغرور؟ لكل إنسان أفكاره، لكن ما من إنسان يقلب تلك الأفكار ويتباهى بها إلى أن يستحدث شيئا زائفا ويخدع نفسه". وبعد بضعة أسطر نقرأ: إننا نكره الشعر الذي يحدث أثراً واضحاً فينا. وإذا لم يحصل ذلك، فإنه يبدو غير مهم. على الشعر أن يكون عظيما ومتواريا عن الأنظار، شعراً يدخل روح المرء فلا يثير الرعب أو الدهشة بخصيصته، بل بموضوعيته. 

يا لجمال الأزهار الغافية كم ستفقد من جمالها/ إذا ما ألقي بها فوق الطريق/ وهي تصيح أنظر إلي بإعجاب/ أنا زهرة البنفسج أحبني/ أنا زهرة الربيع".