كولوم ماكان: الرواية تحدثُ شقاً في الجدار ثم يقوم آخرون بتوسيعه

كيليان فوكس
ترجمة: رؤى زهير شكر
ولد الكاتب الايرلندي الحائز على جوائز عدة (كولوم ماكان) في دبلن عام 1965 وعمل صحفياً قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة واتجاهه إلى الكتابة. تشمل رواياته (دع العالم العظيم يدور)، التي فازت بجائزة دبلن الأدبية الدولية لعام 2011، ورواية Apeirogon (اللانهائي) الصادرة عام 2020، تناولت وجهة نظر الاشكالية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
في العام الماضي، شارك أيضاً ما كان في تأليف مذكرات الأم الأمريكية مع ديان فولي، التي قُتل ابنها الصحفي الأمريكي جيمس فولي على يد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا عام 2014. في روايته الأخيرة، Twist (نُشرت في 6 آذار)، يواجه فيها صحفي أيرلندي يعمل على متن سفينة إصلاح كابلات قبالة الساحل الغربي لأفريقيا أسئلةً تتعلق بالتدمير البيئي وزيادة المعلومات والاستعمار. يعيش ماكان في نيويورك مع زوجته أليسون وأطفالهما الثلاثة.
* لم يتم استكشاف الكابلات البحرية بشكلٍ وافٍ خيالياً. ما الذي دفعك للكتابة عنها؟
- في الجزء الأول من الجائحة، كنت أفكر كثيراً في فكرة الإصلاح ومفهومها كون الأشياء كانت تتحطم من حولنا بشكلٍ متكررٍ إلى حدٍ ما. في مكانٍ ما، صادفت قصة ليون ثيفينين، وهي سفينة إصلاح كابلات من جنوب إفريقيا. وكأي شخصٍ آخر، اعتقدت أنها جزءٌ من المعلومات [الرقمية]، تلك التي ارتفعت من هواتفنا لتضرب الأقمار الصناعية، ومن ثم تعود إلى الأسفل. حقيقةً انبهرت بفكرة أن كل هذا يحدث في قاع البحر الأسود العميق. من الغريب أنه منذ بدأت كتابة عنه، أصبحت الكابلات البحرية الآن تُقطع من كل جانب ـ الحوثيون في البحر الأحمر، والروس والصينيون في بحر البلطيق. وسوف نتحدث عن هذا الأمر كثيراً في السنوات المقبلة.
* هل تكمن الدهشة في رؤية ضعف هذه الكابلات أمام الهجمات، حيث يتم توجيه جميع اتصالاتنا الحديثة عبر هذه الأنابيب الهشة المعلقة عبر قاع البحر؟
- نعم. بالقرب من الشاطئ، يمكنك إرسال مركبة تعمل عن بعد لإصلاح الخلل، ولكن بعد ذلك، ستعود إلى القرن التاسع عشر. كأنك ترمي حبلًا في نهايته خطاف وتأمل حدوث شيء خارق.
* يشير الراوي في روايتك عدة مرات إلى رواية قلب الظلام لكونراد. ما هو صدى ذلك بالنسبة لك؟
- على مستويات واضحة جداً، [Twist] هو رجل في مهمة على متن قارب. يحدث كسر للكابل بعد فيضان نهر الكونغو، وطرد كل نفاياته إلى البحر. من المثير للاهتمام أن الكابلات التي وضعناها تتبع تقريباً طرق الشحن الاستعمارية القديمة. لذا بدأت كل تلك الأصداء الصغيرة في الظهور.
"إن الروايات قادرة على إحداث شق صغير في الجدار، بينما يقوم الآخرون بتوسيع هذا الشق، وفي بعض الأحيان ينهار الجدار"
* بتناولك الموضوعات الكبيرة.. فهل تعتقد أنَّ الروايات قادرة على إحداث فرق؟
- لا أعتقد أنَّ تغيير هذا الأمر من اختصاص [الرواية]. ولكن ما تفعله هو إحداث شقٍ صغيرٍ في الجدار، ثم يقوم آخرون بتوسيع هذا الشق، وفي بعض الأحيان ينهار الجدار. لا أدعو الروائيين بالضرورة إلى أنْ يكونوا ناشطين أو أنْ يكتبوا عن القضايا الكبرى في يومنا هذا. ولكن بالنسبة لي شخصياً، نعم، أعتقد أنه يتعين عليّ أن أفعل ذلك. كان الوضع في إسرائيل وفلسطين في رواية (اللانهائي) (Apeirogon) موضوعاً كبيراً. وبالطبع، هناك خطرٌ في القيام بذلك، ولكنْ الأمل هو أنْ تتمكن بطريقة ما من تعطيل التفكير التقليدي. لم يعد الروائيون على القدر ذاته من الأهمية كما كنَّا قبل خمسين عاماً. أجد أنه يتعين عليك أنْ تعملَ انطلاقاً من حاجة داخلية متهورة أكثر من أي وقت مضى. وهذا ما يجعلني مغروراً قليلاً وأنا أحب ذلك. أحب أنْ أضعَ ظهري على الحائط مطمئنا.
* رواية أبيروجون (Apeirogon) تسرد قصة رامي الحنان وبسام عرامين، وهما صديقان إسرائيلي وفلسطيني حقيقيان يعملان معاً من أجل السلام. هل ما زلت على اتصالٍ بهما؟
- أتحدث إلى رامي وبسام مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، وأقوم بتصفية الكثير من مشاعري تجاه الوضع الحالي من خلالهما، لأنني أجلس هنا في نيويورك، وليس في الضفة الغربية أو القدس. سيقولان إنهما حزينان وغاضبان وخائفان للغاية. تحدثت إلى ابن بسام، وهو عربي، مؤخراً، وتم إيقافه عند نقطة تفتيش ووضع مسدس على رأسه. هناك أشياءٌ تحدث في الضفة الغربية يخبرني بها بسام وتبعث قشعريرة في جسدي. أنا أيضا حزين وغاضب ومرتبك مثلهم، هناك أوقاتٌ أفكر فيها في كتابة كتابٍ ثانٍ لأبيروجون. لكنْ تخيل أنك تدخل في ذلك الآن. أنْ تدخلَ في شيءٍ خامٍ ومعقدٍ للغاية. لكنْ ربما هذا هو المكان الذي يجب أنْ أذهبَ إليه.
* لقد قمت بتدريس الكتابة الإبداعية لفترة طويلة، ونشرت كتاباً يحتوي على نصائح حول الكتابة. إذا أردت تلخيص كل شيء في نقطة رئيسة واحدة، فماذا ستكون؟
- أحب العبارة التي قالها الروائي ألكسندر هيمون: "كل شيء يصبح تافهاً إلى أنْ يصبح غير ذلك". وهو أمرٌ مثيرٌ للاهتمام حقا، كونه يتعلق بالجلوس والعمل بجدية والقيام بذلك مرارًا وتكرارًا. إنَّه يشبه رفض الاستسلام، ورفض السماح للقصة بالتغلب عليك. لقد استسلمت في كل كتاب كتبته على الإطلاق. إنه جزءٌ ضروريٌّ تقريباً من العملية - عليك أنْ تسبب لنفسك الحزن من أجل فهم ما يعنيه لك ذلك بالفعل.
* هل قرأتَ كتباً جيدة مؤخراً؟
- لقد قرأت للتو رواية فرانكنشتاين للمرة الأولى وأذهلتني، إنها استعارة مثاليَّة للوضع الذي نحن فيه الآن، والوحش الذي نخلقه والشعور بالذنب الذي يحيط بنا. أقرأ كتاباً بعنوان "ذات يوم، سيكون الجميع ضد هذا دائماً" للكاتب المصري الكندي عمر العقاد عن الوضع الحالي في إسرائيل وفلسطين: إنه كتابٌ جيدٌ جداً وضروريٌّ جداً ولا يوجه أي انتقادات على الإطلاق. كما قرأت كتاب "نهاية العالم هي طريق مسدود" للويز كينيدي، وأعجبت حقًا برواية "القافلة" لبياتا أوموبيي ميريس، عن هروبها من الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
* أرى أنَّ لديك صورة لإيدنا أوبراين على الرف. لقد أخبرتْ صحيفة نيويورك تايمز ذات مرة أنها إذا أتيحت لها فرصة اختيار أي شخصٍ لكتابة قصة حياتها، فإنها ستختارك.
- نعم، كان ذلك لطفاً منها. لقد سافرت كثيراً معها. في الواقع، إنَّها أعطتني أول قراءة لي في لندن في أوائل التسعينيات عندما كان كتابي الأول سيصدر. لقد كانت شيئاً أقرب الى الكارثة - لقد قرأت لفترة طويلة جداً - بعدها أصبحت صديقةً لي . لقد لامس تأثيرها كل شيء حتى الهواء وبطرق عديدة. من المثير للاهتمام أنْ نرى كيفيَّة تمكن الكتاب الشباب، وخاصة الكاتبات الشابات في أيرلندا، من اقتفاء أثرها في السنوات القليلة المقبلة.
* ما الذي تحتاجه للكتابة؟
- اليوم المثالي بالنسبة لي هو الاستيقاظ في الساعة الرابعة صباحاً، والبدء بالكتابة مباشرة من دون التحقق من نتائج كرة القدم أو بريدي الإلكتروني، أتوقف لأمشي مع الكلب وأقوم ببعض الأعمال المنزلية، ثم أعود إلى العمل حتى منتصف النهار تقريباً. في فترة ما بعد الظهر، كنت أقوم ببعض التحرير، ثم في حوالي الساعة الرابعة مساءً، وألتقي ببعض الأصدقاء. ثم في وقت متأخر من المساء، أعود لممارسة التحرير.
* هل يحدث هذا عادةً؟
- يجيب ضاحكاً: لا، بالتأكيد لا.
الغارديان