أ.د. رياض موسى سكران
يمثل التحول الملموس الذي شهدته الدراما التلفزيونية في (قناة العراقية) خلال شهر رمضان المبارك، استجابة لنداءات ومطالب الجمهور العام والجمهور النخبوي على حد سواء، في العودة الى قيم الحياة العراقية.. إذ يبدو واضحاً إن القائمين على إدارة شبكة الإعلام العراقي بشكل عام والدراما بشكل خاص، يدركون تماماً حجم المسؤولية التي يجب أن ينهضوا بها، لاسيما بعد ما حظيت به الدراما من دعم مباشر ورعاية رئيس الوزراء، بما يعكس حجم الواجب الوطني في ظرف حساس وحرج يتطلب وضوح الرؤية وقوة الموقف، مثلما يتطلب النجاح، ولا مجال لشيء آخر غير النجاح، فالخطاب الإعلامي ليس ساحة للتجارب التي قد تفشل أو تخيب، من هنا فإن حسابات القائمين على إدارة هذه القناة لم تكن تقليدية أو ترقيعية، فـ (العراقية) لا يمكن أن تكون مجرد رقم يضاف إلى سلسلة القنوات التلفزيونية، مثلما لا يمكن أن تكون إدارتها إدارة تقليدية تسجل في لوحة أسماء الإدارات والمسؤولين، فهي تقود وتوجّه الخطاب الإعلامي العراقي الوطني الحر المتجدد والمنفتح على الجمهور والمتفاعل معه، لتستعيد بذلك شاشة العراقية تأثيرها وبريقها، وتعيد رسم خارطة علاقاتها مع جمهورها، عبر سلسلة نوعية من الأعمال الدرامية المتنوعة التي تحاكي راهن المواطن العراقي والعائلة العراقية.
فالرؤية واضحة وتدل على عناية واهتمام ووعي، حيث التجديد والأصالة والمعاصرة والمغامرة والابتكار والخبرة والشباب، فكانت أدنى درجة لأي عمل درامي تؤشر إلى نجاح لافت، وهي تستقطب جمهوراً كبيراً من المشاهدين، فضلاً عن استقطابها الإعلاميين والأكاديميين والفنانين والمثقفين، ومن كل الأجيال، وبلا استثناء ولا إقصاء ولا وصاية، ربما بسبب اعتقاد القائمين على إدارة مفاصل هذا القناة، بأن المستوى الإبداعي والمهني الذي بلغه الإعلامي العراقي، فكراً وممارسة، نظرياً وعملياً، لا بد له من رعاية واهتمام ودعم، وهو ما بدا واضحاً من خلال اهتمام ودعم السيد رئيس الوزراء، ليس فقط في مجال الدراما، وإنما في مجمل مستويات الخطاب الإعلامي الذي تبنته هذه قناة العراقية.
لقد كانت الإمكانات المتوفرة لتحقيق أهداف القناة، مليئة بالخطوات الخضر ورفيف الأحلام، لذلك لم تقنع القناة بقطف الثمار القريبة الميسور قطفها من شجرة الواقع اليومي الراهن فحسب، بل راحت تعلق الآمال والأحلام والأمنيات في زرع أشجار جديدة عبر خطط ومشاريع قادمة.. من هنا صار كل إعلامي وفنان ومثقف يجد لنفسه في العراقية، فضاءً واسعاً للبوح المنضبط، ونافذة مفتوحة على صناعة الأمل والحياة العراقية.
هذا ما عملت (العراقية) على تبنيه وترسيخه والبوح به حينما التزمت بالانفتاح على الجميع، منهجاً ورؤية وخطة عمل، وهي تقدم في دورتها الرمضانية درساً في الوفاء لقيم وثقافة وأصالة وموروث وحضارة المجتمع والحياة العراقية، لتتوهج هذه القيم عبر أعمال درامية يصنعها مبدعون عراقيون، ويبتكرون معها أفقاً جديداً لصناعة الحياة العراقية كما ينبغي أن تكون.
لقد كان من الطبيعي أن يكون كل شيء مدروساً بعمق، ومخططاً له بعناية، ومحسوباً بدراية، فضلاً عن ذلك فإن الهدف كان واضحاً، مما جعل المسافة بين الطموح والواقع قصيرة جداً، هذا الواقع وذاك الطموح الذي صار ماثلاً عبر شهادات وإشادات ومواقف الجمهور العام وجمهور النخبة الذي احتفى (بعراقيته)، عبر أعمال درامية تحمل خطابها الوطني المطلوب في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها الوطن، وهي مرحلة تكرس بها العراقية انتصار الحياة العراقية على كل إرادات الموت والظلام وتحقيق هزيمته فكرياً ومعنوياً، وهي تحتفي بالفنان والإعلامي العراقي، ومن كل الأجيال، وتقدمه لجمهوره في أبهى صورة، فضلاً عن تقديمها لنخبة متميزة من الوجوه الشبابية، التي تدعو الى التفاؤل والثقة بالمستقبل بعيداً عن التكرار والاجترار. وغيرها من الخطط والسياسات التي خلقت انطباعاً إيجابياً ومؤثراً لدى الجمهور بكل مستوياته.
وبعيداً عن عقد التصنيفات والتقسيمات والتبويبات بكل أنواعها، فقد فتحت (العراقية) شاشتها أمام الجميع، والجميع توجّه إليها، وقد استطاعت أن تنأى عن كل تقليد وتكرار واجترار، فـ(العراقية) انفتحت على كامل المشهد البانورامي للحياة العراقية وتجددها الدائم ونشاطها المتواصل وحراكها المتصاعد.. وهذه تمثل استجابة واعية لإدارة شبكة الإعلام العراقي في تلبية النداء الوطني ونداء القيم العراقية، وكل النداءات الآتية من آفاق المستقبل واشتراطاته وضروراته التي تخلق النبض المتجدد والحراك المتصاعد في المشهد القادم للحياة العراقية.