رنا صباح خليل
يمكن تصنيف رواية “جاء متأخّرا” الصادرة عن دار الشؤون الثقافية، للروائية علياء الانصاري ضمن روايات الحيز الضيق التي تكشف عن قدرة المؤلفة في ادارة أحداث روايتها على الرغم من محدودية الاحداث وقلة الشخوص، معتمدة لغة غير معقدة همها الاساس ابراز الظلم الذي تنوء به المرأة في مجتمعنا من قبل اسرتها وتقاليد خاطئة موروثة أباً عن جدٍّ، أحكمت الخناق على ابسط حقوقها لتحيلها الى دمية طيعة سمحة في بيت الزوجية ناكرة لذاتها وفق سلوكيات اعتادتها جعلت منها منفصلة عن احلامها وتأمّلاتها ونواياها وجعلت من الزوج آنويّا لايحب إلّا ذاته ولا يفضّل الا تعاليه وقساوته الى حدٍّ يصل به الى نكران الاخرين..
والرواية في خط سيرها يمكن تقسيمها وهي تمر بحالات متتالية يتم فيها التنقّل من موقف لاخر وبتجميعه تتداخل وشائج النص وتتشكل وحدة القصّ وفق التقسيم التالي: استهلال / أزمة نفسية / ذروة / إنفراج. وسنتعرض لبعض من هذه التقسيمات.
أزمة نفسيَّة
انتقال الصورة الى مشهد اخر يتولى السرد دوره فيه وفيه تتفاجأ (منى) صديقة وفاء بتمرّد صديقتها لحياة عاشتها عشرين عاما من دون ان تحرّك ساكناً ازاءها، فتقرر ان لاتطيع زوجها وان تتخذ قراراتها بنفسها، يحدث ذلك حين يعرض عليها في الكلية التي تحمل فيها شهادة الدكتوراه وتُدرس الطلبة في اروقتها وبذهابها لحضور مؤتمر ما يتحقق حصولها على مفتاح التمرّد أزاء تحكم الزوج المهين في حياتها، جاء ذلك التمرّد وتحرك داخلها إثر معادل موضوعي كان موازياً لألمها وهو خيانة الزوج لها، وشعورها المتفاقم بضرورة تخلّص المرأة من خوفها. وتأتي المشاهد هنا متلاحقة يفضي بعضها الى بعض او ينبع بعضها من بعض، وهذا التكتيك شائع في الاعمال الروائية النمطية لكن ما قامت بالاشتغال عليه علياء الانصاري عن طريق الاقتصاد اللغوي الشديد المفعم بالهم الانساني الفطري لدى المرأة جعلت من عملها ينتقل بتلقائية الحوادث وبما يشبه جريان ماء النبع الذي يزيد من عفوية الاداء وتلقائيته.
الذروة
حالة ثالثة توصل النص الى بلوغ الذروة لاستهلال الانفراج على وفق الوضع الذي زُرع بالقلق وسقي بالحيرة.. فالدكتورة وفاء تعاود الاتصال بأهلها الذين حرمت منهم واخواتها اللواتي فارقتهن منذ سنين بسبب رفض زوجها لهم، هذا غير ان وفاء بدأت بإقامة الندوات التي ترصد فيها حالات هيمنة الرجل على المرأة ومنها قضية (غسل العار) وغير ذلك من الامور التي تثير حفيظة زوجها عليها، لتبدأ المشاجرات والمشاحنات بينهما فتتدخل شخصية جديدة في الرواية وهو (محمود) حامل اكسير الحب الذي ضحى به ولم يخبر وفاء عنه ولم يكتشف أمره إلا بعد وفاته من قبل دفتر مذكراته الذي يسقط بيد اخته منى صديقة وفاء. والشخوص هنا تدور حول محور مركزي واحد وهو البطلة (وفاء) التي تقوم بجميع مهمات السرد الاخبارية والقولية والحدثية فتخبرنا عن قصة أختها هناء وزوجها سامي، وتذكر ايضا اختها فاطمة الأرملة، وهي كلما ذكرت امرأة جديدة في روايتها نجدها تركز على ثيمة واحدة لا شغل لنفسها بسواها وهي قساوة الحياة على المرأة وخوف المرأة من المجهول وظلمها من قبل الرجل وهي بهذه النماذج والشخصيات الأنثوية تتجاوز بواقعيتها المساحة التي تعرض عليها حركة الأحداث والشخوص والتوصيلات الزمانية لمكملات القص، فترسم مشهدا واقعيا صرفا يبيّن حجم الخسارات النفسية والعقلية بوسائل متعددة تلتصق بالحاضر ولاتتناسى الماضي، الا ان الرواية حافظت على حسن التأني في عرض مشهدها بعيدة عن كثرة التفصيلات والاحداث الفرعية التي لاتصب في غايات الرواية الاساس..
الانفراج
يبدأ الانفراج بصدمة قوية تهزّ كيان فؤاد ذلك الشخص الذي هو جزء من مكون اجتماعي كبير ومألوف في مجتمعنا وهو نقيض للوجه المسالم الجميل المطمئن للحياة بل يحاول تصيير الإنسان الى آلة لا يخالجها الشعور والاحساس بما يدور حوله وكان اول ماحوله الزوجة، يحاول الانتقام لتمرّد زوجته وعدم خنوعها له فيذهب الى صديقتها منى طالبا الزواج بها فتصفعه الأخيرة بدفتر مذكرات اخيها محمود الذي أغتيل واذا به يجده صديقا له وعاشقا لزوجته وبذلك يشعر فؤاد بصغر حجمه بعدما وجد ان الحب الحقيقي احساس وتضحية استطاع ان يكون صديقه مثلا عظيما له، اما هو فقد عاش سنين عمره مع وفاء دون ان يبادلها ذلك الاحساس الجميل.
تحدثت الرواية عن مشاكل آنية وأزلية استطاعت المؤلفة ان تهيمن عليها بشكل فني قصرت فيه الأسطر وقللت فيه الحشو، وقطعا لم يذهب وقت (القراءة) سدى مع (جاء متأخّرا).