تحولات اللغة الإنكليزيَّة ما بعد بريكست

ثقافة 2019/07/12
...

ترجمة: مي إسماعيل
تواجه بريطانيا مستقبلا مجهولا وعلاقة ضبابيّة مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست. ومن بين المصاعب المحزنة تأتي عدم قدرة البلاد على تعلّم اللغات لتكون حجر عثرة بارزاً وإشعاراً بالقلق؛ لانحدار أعداد متعلّمي اللغات الأجنبية بين طلبة المدارس والجامعات البريطانية. 
الإنكليزية واحدة من لغات الاتحاد الأوروبي الرسمية (مع 22 لغة اخرى)؛ وإحدى لغات العمل الثلاث في مؤسساته (مع الألمانية والفرنسية). وفوق ذلك؛ هي اللغة الأجنبية الأكثر شيوعا للتدريس في أوروبا؛ وهذا عامل رئيسي يجعلها لغة العمل الأكثر استخداما.. ومع ذلك لا يشعر الجميع بالسعادة تجاه ذلك؛ ومنهم سفير فرنسا إلى الاتحاد الأوروبي؛ الذي غادر (مؤخرا) اجتماعا حول ميزانية الاتحاد حينما قرر المجلس الاكتفاء بالترجمة الإنكليزية. لذا، وحتى إذا قررت بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي؛ ستبقى الإنكليزية واحدة من لغاته الرسمية (لعضوية مالطة وأيرلندا)؛ وستبقى كذلك (على الأرجح) لغة العمل الرسمية في مؤسساته. 
غالبا ما تستخدم الإنكليزية عالميًا لغة مشتركة بين متحدثي اللغات المختلفة؛ وبمعنى آخر؛ فإن المحادثات تدور بالإنكليزية بين ناطقين بها لكنّها ليست لغتهم الأم. وهذا أمر له تاريخ استعماري طويل ومشحون؛ حينما فرضت الإمبراطورية البريطانية لغتها الإنكليزية على مستعمراتها. لكن تراجع الإمبراطورية لا يعني تراجع لغتها؛ بل على العكس، وبينما ارتفعت الولايات المتحدة لتكون قوة اقتصادية عالمية؛ قادت العولمة لانتشار الإنكليزية حول العالم.. وما زال هذا الحال مستمرا.. وليس الاتحاد الأوروبي باستثناء.. 
 
الانكليزية الأوروبية
يرى العديد من المترجمين البريطانيين العاملين في المفوضية الأوروبية أن الإنكليزية ستبقى لغة عمل رئيسية بعد بريكست؛ لأن الانتقال لاستخدام الفرنسية والألمانية فقط أو إضافة لغة أخرى ليس أمرا واقعيا، وسيتطلب استثمار مبالغ كبيرة لتدريب العاملين في الاتحاد. بالمقابل؛ يرى المترجمون أن الإنكليزية ستبقى قيد الاستخدام، لكنها ببساطة ستتطور وتتغير وفق الظروف الجديدة. ومن الأمثلة على ذلك: “الانكليزية الأوروبية”؛ فاستخدام “الأجانب” للإنكليزية يتأثر عادة بلغاتهم الأم؛ لذا ينجم عنه صياغات لغوية مختلفة. فعلى سبيل المثال يجري استخدام كلمة “تدريب – training” في مؤسسات الاتحاد الأوروبي على أنها اسم معدود؛ أي يمكن القول: “تلقيتُ ثلاثة تدريبات هذا الاسبوع”. لكن “الإنكليزية البريطانية” ترى أنه “غير معدود”؛ لذا يتعين القول: “تلقيتُ ثلاثة جلسات تدريب هذا الاسبوع”. رغم أن هذه نقطة لغوية بسيطة؛ لكنها توضح كيف تتغير اللغة الإنكليزية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بسبب تأثير الناطقين بها (من غير الإنكليز). في الوقت الحالي يحد وجود المترجمين والمصححين البريطانيين من مدى هذا التغيير؛ خاصة في الوثائق الموجهة للعموم. ولكن إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي فسيقل عدد البريطانيين العاملين في الترجمة والتصحيح الى حدٍّ كبير (لحاجتهم الى جواز سفر أوروبي للعمل في تلك المؤسسات)؛ ولو تقاعد هؤلاء سيعمل عدد أقل من الناطقين الأصليين بالإنكليزية في الاتحاد الأوروبي، ومن ثم سيقل تأثيرهم وسلطتهم على اللغة التي تتعامل بها المؤسسات. مما يعني أن “الانكليزية الأوروبية” ستبتعد غالبا عن “الإنكليزية البريطانية” بإيقاع متسارع.
 
اللغة الإنكليزية والتغيّر اللغوي
ليس هذا التغيّر بجديد؛ خاصة في اللغة الإنكليزية. فقد ثبتت “سينكليش- Singlish” أو- “إنكليزية سنغافورة” جذورها في الحكم الاستعماري وأصبحت (منذ ذلك الحين) مستقلة عن “الإنكليزية البريطانية”؛ ودمجت قواعد ومفردات من لغات تعكس تاريخ سنغافورة الحافل بالمهاجرين (ومنهم- الملايو والكانتون والماندرين والتاميل وغيرهم). طورت “سينكليش” كلماتها وتعابيرها الخاصة، المستقاة من خليط اللغات الهجين ذاك، وتغيرت وتحولت استجابة لهجرات الشعوب والثقافات، والتقنيات الجديدة والتحولات الاجتماعية. 
الوقت فقط سيخبرنا ما إذا كانت “اللغة الإنكليزية في الاتحاد الأوروبي” ستتحرك بعيدا عن مرساها. لكن وفقا لأقوال المترجمين البريطانيين؛ حتى لو بقيت بريطانيا في الاتحاد الأوروبي فإن اللغة الإنكليزية ستستمر بالتغيّر في مؤسساتها العاملة. ويقول بعضهم: “لم تعد الإنكليزية عائدة للإنكليز وحدهم (كونهم المتحدثين الأصليين بها)؛ بل صارت تعود للجميع”.  كما أن التعامل المتكرر بالإنكليزية واستخدامها في الحياة اليومية يعني أن المجتمعات متنوعة اللغة باتت تكتسب إحساسا متزايدا وشعورًا بالملكية على اللغة. يوصف وجود وانتشار اللغة الإنكليزية في كل مكان أحيانا على أنه دليل على الأهمية الدائمة لبريطانيا (والولايات المتحدة) في المسرح الدولي. وهو افتراض يعكس في الواقع كيف أصبحت الدول الناطقة بالإنكليزية. إنّه لا يعني تجاهل القوة الاقتصادية والثقافية والعسكرية لتلك الدول؛ ولكنه أيضا لا يغير حقيقة أن الإنكليزية لغة مشتركة في التعاملات التي لا تشترك فيها أي من تلك الدول.. فعلى سبيل المثال نرى صحفيا فرنسيا يجري مقابلة باللغة الإنكليزية مع درّاج سلوفيني حول أدائه في سباق الدراجات الإيطالي “Giro d’Italia”.
لا بدَّ من الاحتفاء بالتنوّع اللغوي لضمان أن لا تفقد البشرية تعدد لغاتها ولهجاتها؛ ويقدم الكثير من الباحثون جهدا كبيرا لذلك. ولكن من الواضح أن الإنكليزية طورت لها دورا متميزا عن متحدثيها المحليين لتصير لغة مشتركة تسهل الاتصالات في عالم يزداد عولمة.. 
إيما سيدون- موقع “ذا كونفيرسيشن”