د. محمَّد حسين الرفاعي
[I]
كيف تبدأ الفكرة بإعادة الاعتبار للتساؤل الفلسفي، ضمن الأكاديميات العربيَّة التي تُدرِّس وتُعلِّم الفلسفة؟
يوجد ضربان من ضروب البدءِ. أن نبدأ ببناء فكرة هو يعني أن نبدأ التَّفكير بما لم يكن من قَبلُ بعد. يقوم التفكير ببناء فكرة علميَّة- مجتمعيَّة بالانطلاق من: 1- إمَّا ما هو قائم وشائع ومتعارف عليه، مجتمعيَّاً، 2- وإمَّا من ما هو غير شائع، وليس قائماً بعد، وليس متعارفاً عليه، مجتمعيَّاً.
وحتى تكون الفكرة انطلاقاً من الضرب الثَّاني من التفكير، لا بُدَّ من أنْ يكون ثَمَّة اختلاف جذري مع كل ما مَرَّ، ويمرُّ، إلى الآن، في عالَم الفكر العربيّ- الأكاديمي. إنَّ الإتيان من خارج الفكر إلى داخل الفكر، لهو إتيانٌ من عالَم الفلسفة والتساؤل الفلسفي، من جهة، وهو حامل لتساؤلات الواقع المجتمعيّ، من جهةٍ أخرى، إلى عالَم العلوم المجتمعيَّة والإنسانية. هذا الإتيان- الانتقال يكون بداية أي مشروع يريد إعادة الاعتبار، أكاديميَّاً وعلميَّاً، إلى الفلسفة بوصفها اختصاصاً قائماً بحد ذاته.
[II]
إنَّه إتيانٌ إلى [حقل- الفهم] الخاصّ بعلوم المجتمع والإنسان، من الجهل بعلوم المجتمع والإنسان. وخلافاً لما يُتصوَّر، للجهل الدور الأساسي في بناء الفكرة الخاصَّة بالموضوعات العِلميَّة. إنَم تساؤلاً كهذا الذي لم يَقُم بعدُ في حقل الفكر العربيّ الأكاديمي المعاصر الذي يأخذ على عاتقه التفكير بموضوعات المجتمع والإنسان، في مجتمعاتنا العربيَّة، يفتح لنا المجال مباشرةً أمام بناء التَّساؤل عن الفلسفة: ماذا تدرِّس الأكاديميات، وكيف تعلِّم الفلسفة، وكيفيَّة بناء التَّساؤل فيها؟
[III]
ثَمَّةَ ضرورة للانفتاح على علوم الطبيعة- والفيزيقا بعامَّةٍ. حينما تأتي من تلك العلوم، إلى هذه العلوم، تكون قد قطعت أكثر من نصف الطريق، بوعيك أو من دونه. إنَّ النظر من [الخارج]، بأي معنىً من المعاني كان لا فرق، إلى علوم المجتمع والإنسان، إنَّما هو محمولٌ بضرب من التفكير هو يتوفَّر على إمكان أن نتفلسف فيها. هذي الـ[من- الخارج] هي، من حيثُ إنَّها كذلك، وبالضبط من حيثُ إنَّها كذلك، موقعٌ معرفيٌّ، أو لا تكون.
[IV]
تبدأ فكرة إعادة الاعتبار للتساؤل الفلسفي، ولاختصاص الفلسفة الأكاديمي، [من- الخارج]. من خارج الفلسفة، في كُليَّتِها، ومن خارج علوم المجتمع والإنسان، في كليَّتِها. كيف ذلك؟ إنَّها تبدأ انطلاقاً من أربعة أشياء أساسيَّة:
I - المحافظة على التعدُّد، والاختلاف، والتعارض، بين الباحثين والمفكرين والأساتذة الجامعيين حول بداهات العلم، وبداهات الفلسفة، أي حول المفاهيم الأساسيَّة التي من دونها لا يقوم العلم، ولا تقوم الفلسفة، الذي (أي هذا التعدُّد) قد يبلغ مستوى التناقض الصريح بينهم،
II - الكشف عن التعارض والاختلاف والتعدُّد بين الباحثين، والمفكرين والأساتذة الجامعيين، في الكتب والدراسات والأبحاث العربيَّة، انطلاقاً من المفاهيم العِلميَّة في علوم المجتمع والإنسان،
III - الابتعاد، كليَّاً، عن كلّ ضروب الفهم بالانطلاق من الوحدة، وتوحيد ضروب التعدُّد والاختلاف القائمة بين المدارس والاتجاهات الفلسفية.
IV - الربطُ الكلِّيُّ بين اختصاص الفلسفة وبين تساؤلات، وإشكالات، وإشكاليات الواقع المجتمعيّ [ههنا- والآن]؛ عن طريق إدخال مواد سوسيولوجيا المعرفة، وسوسيولوجيا الدِّين، وسوسيولوجيا الثقافة، وسوسيولوجيا الفلسفة، إلى أقسام الفلسفة في الأكاديميات العربيَّة.