قد يكون الحضور الثقافي في مجتمعنا هامشياومعزولا لجملة اسباب وموجبات، وهذا يعود لطبيعة نشاط المثقف وتواجده في المجتمع ووسائل الإعلام حسب ما متوفر من برامج تلفزيونية تهتم بالشأن الثقافي، وهذا الامر يعود اولا لعلاقة الاديب الشخصية مع معدي ومقدمي هذه البرنامج وهؤلاء ايضا اغلبهم من الادباء والمثقفين، او لمكانة الاديب الثقافية والابداعية، واعتقد هذه تأتي بعد العلاقات الشخصية فثمّة مقدم برنامج ثقافي يستضيف مسؤولا ثقافيا في نقابة او منظمة مجتمع مدني او مؤسسة حكومية ثقافية، يبادر هذا الضيف بعد فترة وجيزة بترتيب جلسة احتفاء بهذا الاعلامي (الاديب) ويقترح ذلك على معد البرنامج الذي هو الاخر قد يحل ضيفا في برنامج ثقافي اخر او ضيفا محتفى به هنا او هناك ولاضير من هذا،إن كان ثمّة اضاءة معرفية او بصمة ابداعية يمكن ان تكون محط اهتمام المشاهدين لكن الذي يحدث (ضيّفني لأضيّفك) كما في قراءات الكتب والمجاملات بين هذا الاديب وذاك.
معظم المثقفين، ان كانوا من ذوي الإنتاج الأدبي والفني او من يمكن ان يوصف بمثقف من الاكاديميين والتدريسيين، يعملون في مجال الإعلام سواء المرئي او المسموع او المقروء كونه الأقرب لهم ولاختصاصاتهم، ومعظمهم لديه الخبرة الجيدة في اللغة والكتابة والالقاء والحضور والإلمام بقضايا وتفاصيل المشهد الثقافي بتكويناتها الابداعية، لكن هنا ثمة اشكالية فالشهرة الإعلامية طبيعية مرتبطة بالظهور المتكرر عبر الشاشة ومؤخرا عبر موقع اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي التي تعيد نشر حلقات من برامج تلفزيونية او من خلال اقتطاع مقطع لحديث اشكالي من حوار سياسي او ثقافي او فني يديره اديب يعمل في مجال الاعلام، وتقديم البرامج، هذه الشهرة الاعلامية، حتما تأتي على حساب الشهرة الثقافية او الادبية التي تعود وتعلن عن نفسها عبر الشهرة الاعلامية،ومن ثمّ ينال هذه المثقف الاديب شهرة اعلامية قبل الشهرة الادبية اذ كان شاعرا او ساردا او اكاديميا.
قد لايرى البعض ان ثمة مشكلة في الامر بل يعدون ذلك سياقا طبيعياحسب اشتغالات كل مجال الادب والاعلام لكن الاشكالية هنا تكمن بسرقة الاعلام للادب وتحول الاديب الى اعلامي شيوعا وممارسة. وحتما للوضع الاقتصادي ومتطلبات الحياة دور بهذا الامر لكن لابدَّ من ان يضع الاديب (الاعلامي) منهجية لهذا التداخل بين المهنة (الاعلام) والكتابة (الادب) رغم انه في دول عدة باتت مهنة ايضا توفر متطلبات الحياة للكاتب والاديب عبر ضمان حقوقه في التأليف او عبر ما يحصل عليه من دعم حكومي وتفرغ للكتابة والابداع او عبر توفير فرصة عمل مناسبة تؤمن له مدخولا ملائما للعيش الكريم.
قد تكون نجومية الإعلام هي الطاغية، لكنها نجومية عارضة، بينما البقاء للإبداع والكتابة الرصينة والتميز. الإعلام مهنة، والإبداع في الإعلام هو إبداع مهني ايضا، الكثير من الادباء حقق فيه نجاحات لكنه ينتهي بانتهاء ممارسة المهنة، بينما الإبداع الأدبي والفني هو إبداع جمالي وفكري وروحي وهو الأبقى وهذا ليس انتقاصا من الاعلام ودوره الخطير خاصة في هذه المرحلة الزمنية في كل بقاع الارض.