مَا لَمْ يُفَسِّرْهُ سريعٌ

ثقافة 2019/07/16
...

زيد الشهيد
كثيراً ما مرَّ سريع مِن أمام المَبغى الذي يتحاشاه الكثيرون، ولا يقربُ منه أقرانُه .. وكثيراً ما فكَّر في الدخولِ والارتماء في حِضنِ مومسٍ تُشبِع رغبته، اذْ صارَ بالغاً.
ولقد حدثَ يوماً أنْ دخلَ على واحدةٍ تفاجأت بشابٍّ أقرَب الى عمرِ صبي.
قالت له : كيفَ أدخلوكَ 
عليَّ ؟
استولى عليه الخجلُ ووجد فيها امرأةً تضمُّه الى صدرِها لتمنَحه أماناً لم يَشعر به من قبل.
قالت له: لستَ أنتَ مَن يدخل عليَّ كما يُفتَرَض .. أنتَ ابني.
خَجِل لكلامِها، اذْ وجدَ نفسَه طفلاً تُطوِّقُه بذراعيها العاريتين وتأخذُ برأسِه لتضعُه في حِجرِها، وتهمَس: نَمْ.
وكانت اغفاءةً غريبةً وغامضةً لم يَصحُ منها الا عندما طُرِقَت بابُ مَخدعِها بزبونٍ كانَ ينتظرُ 
طويلاً.
تلك الاغفاءة حَملت مِن أريجِ الأمومةِ ما جعله يعاود المَجيءَ في اليوم التالي فيدفع ثمنَ الدخول ويروحُ يَرمي رأسَه في حِجرِها، 
ويَغفو.
وبسببِ تكرارِ فعلته، وشعوراً من القائمين على ادارةِ المَبغى بعاقبةٍ غيرِ محمودةٍ قد تحصل لهم بعدما اشتكى الزبائنُ من تأخرِه  ابعدوها توخيّاً لثنيه 
عن المجيء.
وكان أنْ صارَ الناسُ عندما يرونه يشيرونَ إليه ويومئونَ بسباباتهم ناطقين باسم “أمينة” سرّاً ... وصارَ هوَ يتردَّد على المَبغى علَّه يَجدها فيعاودُ طلبَ الأمانِ في 
حِجرِها. 
الآن .. وبعد أربعين عاماً لا يتذكَّر سريع ما جرى لها، وما حلَّ بها لأنَّ الجلطةَ الدماغيةَ فتَّتت ذاكرتَه وتركتَه للضياعِ والشَّدَه.
الذي يتذكَّره أنَّه شاهدَ، مرَّةً، امرأةً عجفاءَ ناحلةً تجلسُ على مَصطبة وراءَ سياجِ حديقةِ مستشفى المجانين، وقد خبا بريقُ عينيها، تَغلِبُ عليها حركاتٌ وأفعالٌ لا تأثيرَ للعقلِ عليها.. ولا سيطرة.