إشارة إلى تساؤل المعرفة العِلميَّة

ثقافة 2019/07/19
...

 د. محمَّد حسين الرفاعي
[I] 
على ماذا لا بُدَّ من أنْ يقومَ تساؤل العلم، والمعرفة العِلميَّة بموضوعات المجتمع والإنسان في البلدان العربيَّة، بعامَّةٍ؟ وفي العراق بخاصَّةٍ؟ 
تقوم الممارسات العِلميَّة، ويقوم البحث العلميّ بوصفه ممارسة علميَّة، على ثلاثة ضروب من ضروب فهم صيرورة المعرفة العِلميَّة: 
I - فإمَّا الصيرورة في معنى الانتقال الذي يحمل معه ما توصلت إليه النظريَّات والمناهج العِلميَّة إلى لحظته المعرفيَّة. 
II - وإمَّا الصيرورة في معنى الانتقال الذي يقطع مع ما توصلت إليه النظريَّات والمناهج العِلميَّة إلى لحظته المعرفيَّة. 
III - وإمَّا القطيعة التي تبقى تعاني من وطأة النظريَّات والمناهج القديمة وتعود إليها، [بَعْدَ- حينٍ]. 
[II]
تتوهّم الكثير من الكتابات باللغة العربية التي تعلن عن أنَّها أوَّل من قام بالبحث عن مسألة كذا، وبمنظور كذا، وبمنهج كذا. كما تتوهّم كتابات باللغة العربيَّة، من نوع آخر، التوقف عن البحث في مسألة، لعدم وجود مصادر بشأنها.
في الحقيقة، لا تتوقف الممارسة العِلميَّة على وجود، أو عدم وجود مراجع، ومصادر. كما، وفي الوقت نفسه، لا يمكن لممارسة علميَّة إنكار عمل جيل الأجداد، والآباء، من المفكرين والعلماء والباحثين والأساتذة الجامعيين، في بلداننا العربيَّة. 
وأيضاً، تقع الكثير من الأبحاث في فخ مقولة “قتل الأب” الخارجة تماماً عن كل ضروب الأخلاق بعامَّةٍ، والأخلاق العِلميَّة، بخاصَّةٍ. وتتوهّم أنّها حينما تأتي بمقولة تقع [على- الضِّدِّ- مِنْ] نظريَّات الآباء المؤسسين، هي تتجاوزها كُلِّيَّاً.
[III]
في الحقيقة، تقع هذي الأوهام- العقبات في موقع تحول دون ممارسة البحث العلميّ لما فيها من مشكلات منطقيَّة، قَبلَ أن تكون سايكولوجية. 
لا ثَمَّةَ ما لا سابق له، وإليه. كل ما يُتساءل عنه لا بُدَّ من أنْ يتوفَّر على أرضيَّة ابستيمولوجيَّة تفسح أمامه المجال لأنَّ يقوم أمام التمثُّل العلميّ الذي من شأنه. وذلك يتوفَّر في عمل أولئك الذين كان لديهم إسهامات علميَّة- فلسفية في المجال نفسه. فإذن ما هو الجديد المعرفيّ الذي يُضاف؟ 
[IV]
ثَمَّة شيء، ههنا، هو منسيٌّ. إنَّه ضرب من التفكير من خارج المعرفة الشائعة والسائدة المتعلقة بعلوم المجتمع والإنسان في بلداننا. وفي عبارة أكثر صرامةً: إنَّ تساؤل العلم، في مجتمعاتنا العربيَّة، ليس ناهضاً بعدُ. إذن ماذا لدينا، والحال هذي؟ وهل يمكن أن يبلغ تفكيرٌ مستوىً يتجرَّأ فيه على تصريح من هذا النوع؟ 
نعم يمكن ذلك. إنَّنا، نحن العرب، منذ قرنين من الزمان الكرونولوجي، ليس لدينا في الفكر، وضروب التفكير المختلفة، إلّا مواقف فكريَّة- آيديولوجيَّة، هي في أحسن الأحوال تقع ضمن موقفي الـ[مع-...]، أو الـ [على- الضِّدِّ- مِنْ-...]. 
[V]
ولكن، في المقابل، صحيح أن العلم قام على ضرب من فهم العالَم هو يقوم على آيديولوجيا بعينها، ولكن، ليس صحيحاً، على الإطلاق، الوقوع في فخِّ هذين الموقفين، ونسيان [موضوع- العلم] الأصليّ، في علوم المجتمع والإنسان، في المجتمعات العربيَّة. إنَّ أي ضرب من نسيان [الموضوع- في- العلم]، من جهة كونه ليس يقوم، بالتأكيد، كشيء جاهز، إنَّما هو ضرب من الحجب والتحجيب.