المسرح العراقي الى اين؟

ثقافة 2019/07/23
...

عالية طالب
المسرح العراقي الذي ابتدأ منذ عصر ما قبل التاريخ في مدن بابل والوركاء  كما تؤكد اغلب الدراسات الاثارية ، ولم يتوقف الا ليظهر باشكال مختلفة  تمارس في الطقوس والاحتفالات والقصخون ومعها المراثي وتمثيلها وخاصة في المدن الدينية التي تروى فيها الحكايات التاريخية والشخوص والحوارات بطريقة  مسرحية تتخللها الخطابة والاقوال والمآثر وضمن تفاعل ما بين المؤدي والمتلقي يحقق الانسجام الفني المؤثر والذي يستمد ديمومة تتناسخ مع كل حقبة زمنية لتظهر بصور متجددة.
بعد تشكيل الحكومة العراقية  وصدور قانون الجمعيات عام 1922، تبلور النص المسرحي بعد ان اخذ شكلا قانونيا ومهنيا في العمل  وظهر النص المسرحي حين كتب  الخوري هرمز نورسو الكلداني مسرحية  تناولت شخصية “نبوخذ نصر” وتم تقديمها كعمل مسرحي عام 1888في مدينة الموصل، وهي تعتبر مدينة رائدة في تميز الفن المسرحي فيها.
ما زلنا نتحدث عن مسرحية “ النخلة والجيران” التي تم اعدادها مسرحيا عن رواية  كتبها “ غائب طعمة فرمان” واعتبرت ضمن  أفضل مئة رواية عربية، وقدمتها فرقة المسرح الفني الحديث، ومثل فيها عمالقة المسرح العراقي ومنهم  زينب، ناهدة الرماح، خليل شوقي، مقداد عبد الرضا، فاضل خليل، فاضل سوداني، سامي عبد الحميد وقدم موسيقى العمل الفنان “حسين قدوري” . وتوالت بعدها اعمال مسرحية اخرى لكن مسرحية “ فرمان “ بقيت راسخة في الذهن وتناقلتها الاجيال دون ان تستطيع تجاوزها بكل ثقل العمل الدرامي والتلقائي الذي قدمت فيه .
يقال ان المسرح هو صانع الثورات وهو ما يدخل في ادق التفاصيل ويجيد تعرية الواقع وتاشير الخلل وصولا الى تصحيح المسار الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والسياسي، وهو بهذا سيكون القادر على احداث التغيير الحقيقي، ولكن ان يتحول المسرح الى التهريج والاسفاف والاستخدام السيئ للاحداث واللغة والاداء فأنه سيسهم في سحب المجتمع الى مهاو جديدة تفعل فعلها في اتساع ظواهر مستهجنة لا تقدم لمجتمعاتها ما يسهم بالارتقاء.
واقع المسرح العراقي اليوم يؤشر غيابا حقيقيا للفن الهادف وتحولا سلبيا لتهشيم التاريخ الرصين الذي ابتدأ به، وغياب الممثل المحترف جعل الخشبة المقدسة تفقد هيبتها بعد ان اعتلاها من لا يمت للفن بصلة مهنية واحترافية حقيقية.
لدينا دائرة ما زالت تحمل اسم السينما والمسرح ولكنها لا تقدم ما ينهض بهما ! وتبدو مهمة المؤسسة الثقافية الرسمية والخاصة بحاجة الى اهتمام واضح لهذا الجانب الذي بات يعاني الترهل السلبي، ولا يمكن لنا النهوض به ان لم تهتم الدولة بالفن والفنان وتعمل على ايجاد السبل الكفيلة بحفظ هذا الفن الرصين من السقوط المنظم الذي بات يقضم تدريجيا النص الاحترافي والممثل والاخراج والانتاج، وهي كلها عوامل ساعدت على  تفتيت المسرح وافشال النص المحترف من ان يتبوأ مركزه المفترض ضمن المشهد الفني الحقيقي المحلي.
وان كانت النخلة والجيران نصا اعتمد رواية مميزة فما اكثر الروايات التي صدرت في العراق مؤخرا وبعضها يستحق فعلا ان يتحول الى المسرح ليعيد مجد مسيرة تركت بصمتها عربيا وعالميا وتنتظر من يكمل الخطوات بعناية ورعاية ووعي ثقافي هادف.