سألني احد الاصدقاء الصحفيين في لقاء لاحدى الصحف العراقية: لو اوكل اليك اخراج عمل مسرحي واعطوك ثلاث مفردات هي (منصة الشعر ، كتاب ، صحيفة ) لمن تسند دور البطولة ؟ ولماذا؟ وانا اجبت بطريقة تلقائية ومباشرة : طبعاً وبلا تفكير كثير سيكون الدور الرئيسي للكتاب ، لانه اصل الاشياء كلها ، اصل الشعر ومرجعياته وجذوره واصل الصحيفة والكتابة والحرف ، لان الكتاب لغة وعالم وسفر وجمال ورحلات ذهنية خالصة ، وصداقات لا تنتهي لمؤلفين وساردين وشعراء امتلكوا ناصية الكتابة والمعارف ودخلوا في قواميسها وباتوا اصدقاء لكل من دخل المكتبة واقتنى كتاباً وصار يقرأ ويحلم ويهندس مشاريعه القرائية وربما الابداعية ، لان القراءة حياة وجمال ومتعة ولذة لا تضاهى ، بها نخرج من مرارات الواقع وبها نبني العقول والاوطان والروح والافئدة، ونمتحن قدراتنا في مزج الخيال والوهم بالواقع لنخرج من خلال كل هذه مزيجاً غرائبياً يصلح مادة لصنع عوالم ورؤى وافكار وطقوس لنصوص وسرديات كبرى، تصنع تاريخاً موازياً لتواريخنا الزائفة التي صنعها الملوك واذيالهم .
الروايات هي التواريخ البديلة وهي الحقائق الكبرى للانسان وحيواته على وجه البسيط ، لقد اتفق جميع الروائيين الكبار على هذه الحقيقة وصرحوا كثيراً معلنين ولادة هذا التاريخ السردي الذي يحفظ للانسان كرامته وجمال وجوده ونضاله ضد التعسف والقهر والدكتاتوريات وفساد السياسة والحكومات الفاشلة ، كيف يمكن للمؤرخين الذين يقعون تحت هيمنات السلطة الجائرة ان يكتبوا حقيقة ما يجري من غير ان يدس الفاسد انفه في كل شيء محاولاً ان يترك له اثراً ما مقابل كميات الفساد الهائلة التي تركها على ارض الواقع .. المهم من كل هذا ان الكتاب كائن حي يرى ويسمع ويدون كل شيء ، كما لو كان عين الآله التي لاتترك شيئاً دون ان تدونه في ذاكرة العرش ،.. ثم ان الكتاب صديق والصداقة اهم حتى من الحب الحسي والعشق الجسدي ، والمؤلفون احباؤنا يفرحون معنا في افراحنا وغنانا وانطلاقنا لمرايا المجهول التي نرسم بها ذواتنا ، هم البناة الحقيقيون لتلك الذوات ، لهذا فالكتاب هو اصل وجودنا وباني حضاراتنا الانسانية وصانع التطور الكبير الذي تعيشه البشرية اليوم ، من الكتاب والكلمة تنطلق الحياة ومن خلالها تنمو وتتطور وتسير وفق معطياتها العلمية والانسانية وعليها تقف ، انها مهمة مستحيلة حقاً ..