عالية طالب
من هو الروائي الذي يستحق ان يحمل صفة “ عالمي” .. هل هو من ترجمت اعماله الى اللغات الحية ، أم من خدمته المؤسسة الاعلامية لتحقق له الشهرة التي يستحقها ؟! أم هو من استطاع ان يتخطى اجواء السرد المحلي بطريقته المألوفة بكل تداعياتها وافكارها ومخططها العام ولم تستطع الفكاك من الطابع المحلي حتى لمن غادر بلده مرتحلا الى بلدان اخرى لكنه استمر بالكتابة بذاكرة قديمة تدخل في ادق تفاصيل الحياة اليومية وكأنه لا زال في موقعه المكاني ولم ينتقل الا جسده الخارجي. وهذا ما دأبت عليه اغلب نتاجات كتابنا في ازمنة الاغتراب التي تواجدوا فيها.
“ نزار عبد الستار” الكاتب الموصلي الصامت عن الضجيج المزيف ، صاحب الحضور الطاغي ابداعيا والهادئ المستكين الذي نادرا ما تسمع صوته في حوارات لا جدوى منها الا لخلق جو من الانتباه حول الشخصية التي قد لا نستفيد منها سوى بحجم الخلل “ اللفظي” الذي يفسر عبارة “ تكلم حتى اراك” ولذا بقي عبد الستار لا يفسر امكنة روايته بسهولة لكونه اكبر من اية امكنة محلية يتواجد فيها.. الروائي الوحيد الذي لا يثير غيرة الاخرين بل ينشغلون عنها بالأعجاب والانتباه والثناء على مشغل سردي متفرد يجيد خلق اجواء الزمان والمكان ويسحبنا للدخول في عوالم “حقيقية – متخيلة” ببراعة محترف يمسك ادواته بعناية صائغ الكلام.
ما ينقصنا، لينال هذا الروائي المميز الذي احتوته جريدة “الصباح” بعمل صحفي يقترب من تخصصه الثقافي الا انه يأخذ من وقته الابداعي ما يحتاجه المشهد الثقافي العراقي ، هو التفرغ الابداعي الذي سينتج عنه روائع تحتاجها المكتبة الابداعية وتكليف مترجم ادبي لنقل نتاجه الى الاخر المنشغل بالبحث عن التميز اينما تواجد.
مهمة الترجمة بحاجة الى تفعيل حقيقي والا سيبقى مبدعنا داخل اسوار محليته ويفقد المتلقي الايجابي اينما تواجد ميزة الاكتشاف والتعرف على الابداع الحقيقي الذي يمكن له ان يعيد التوازن لعديد من المطبات الثقافية التي تقلق واقعنا الابداعي.
عرفته كما عرفه غيري منذ تسعينات القرن الماضي وهو يحمل همه الابداعي الذي يطارده ليل نهار وهو يحمل عناوين (المطر وغبار الخيول، ليلة الملاك، رائحة السينما ،الامريكان في بيتي ، بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء ،يوليانا ،ترتر)
“ الامريكان في بيتي” الرواية التي تقول ان العراق مرتكز على حضارات ضاربة في القدم ويواجه محتلا مرتكزا على مفهوم القوة غير المتكافئة ، فمن يوازن معادلة تحتاج الى كثير من الوعي والفهم الانساني لكينونة الانسان ورغباته وخوفه وتعليل وجوده.!!
كلما قرأت له كلما ازددت يقينا بأننا لا نعرف قيمة مبدعينا والا كيف يمكن لرواية تحمل اسم “يوليانا “و “ترتر” لا تتحولان الى فيلم عالمي كما فعلت رواية “ دافنشي” ؟ وكيف يمكن لبلد يردد ليل نهار تخلف السينما والانتاج الدرامي فيه لا يستفيد من كنوز مبدعيه وهي مركونة في مكتبات بحاجة الى من يلتفت اليها !!
يكفي مبدعنا فخرا انه يقدم عبر عمله في جريدة “الصباح” ما يخدم واقعنا الاعلامي والثقافي رغم ان موقعه ليس هنا بل في مكان يهيئ فيه كل ما يؤهله لإنتاج روائع مستدامة توثق تأريخ مدن عصية على الفناء تحمل الخلود على مر الازمنة وتعاقبها.