الشاعر الذميم

ثقافة 2019/07/30
...

حسين الصدر
- 1 -
كان علي بن الجهم شاعراً فصيحا مطبوعاً ، ولكنه كان جامعاً للمساوئ والعيوب الاخلاقية .
الامر الذي أدّى به في نهاية المطاف الى المصير البائس ..
- 2 -
كان كذوباً
والكذوب يَنْسى فيُكتشف :
قال عنه المتوكل – وكان هو من جلسائه وخاصته – :
علي بن الجهم أكذبُ خلقِ الله .
حفظتُ عليه انّه اخبرني انه أقام بخراسان ثلاثين سنة، ثم مضت مدة اخرى وأُنسى ما خبرنيْ به ، فأخبرني انه أقام بالثغور ثلاثين سنة ،
ثم مضت مدة أخرى وأُنسي الحكايتين جميعاً ، فأخبرني انّه أقام بالجبل ثلاثين سنة ،
ثم مضت مدة أخرى فأخبرني انه اقام بمصر والشام ثلاثين سنة ،
فيجب ان يكون عمره على هذا وعلى التقليل مائة وخمسين سنةً، ...
فليت شعري أيّ فائدةٍ له في هذا الكذب وما معناه فيه ؟!!
- 3 -
وكان نمّاما
سعى بندماء المتوكل كثيراً وكان يذكرهم عنده بكل قبيح هذا من جانب . 
ومن جانب آخر :
كان اذا خلا به يخبره بأنهم يعيبونه ويثلبونه وينتقصونه،وحين يُجري التحقيق في ذلك لا يجد له حقيقةً على الاطلاق فحسبه مدة .
ثم نفاهُ الى خراسان 
وكان مبغضا لاهل البيت (ع) وهذا البغض هو القاسم المشترك بينه وبين مروان بن ابي حفصة ، ومن يُبغض سادة الخلق كيف لا يكون جامعا لمساوئ العيوب ؟!
ومن هنا هجاه البحتري وقال فيه :
اذا ما حُصّلتْ عليا قُريشٍ 
فلا في العيِرِ أنتَ ولا النفيرِ
علام هجوتَ مجتهداً (عليّاً )
بما لفّقْتَ مِنْ كذبٍ وزُورِ
وهكذا جمع في شخصيته أبشع جمع في شخصيته أبشع الرذائل :
في المعتقد ،
وفي الأخلاق ،
وفي المسار العام ، فباء بما يستحقه من الذم والاستهجان .
- 4 -
وكما سعى علي بن الجهم بالكثيرين عند المتوكل، سعى جماعةً من جلساء المتوكل به اليه ، 
وقالوا – فيما قالوا - :
انه كثير الطعن عليك، والعيب لك، والأزراء على أخلاقك، ولم يزالوا به يوغرون صدره حتى حبسه ،
ثم أبلغوه عنه انّه هجاه فنفاه الى خراسان وأمر أنْ يعاقب ...
- 5 -
وكان ينتحل لنفسه شعر غيره كما هو الحال في ابيات مشهورة لابراهيم بن العباس في الصديق ابتدأها بقوله :
أميل مع الذمام على ابنِ أُمّي 
وأخذُ للصديق من الشقيقِ
كما جاء ذلك على لسان ابراهيم بن المدّبر .
- 6 -
ومن أجود ما قال حين سجن :
قالت : حُبِستَ فقلتُ ليس بضائري 
حبسي وأيُّ مهندٍ لا يُغمدُ
والشمسُ لولا انها محجوبةٌ 
عن ناظريك لما أضاء الفرقدُ
كَمْ مِنْ عليلٍ قد تخطاه الردى 
فنجا ومات طبيبُه والعُوَّدُ
- 7 -
قيل :
وأول شعر قاله ، هو ما كتبه الى أمه حين حبسه أبوه الجهم في الكُتّاب :
يا أُمّنا أفديكِ من أُمِّ 
أشكو اليك فظاظةَ الجَهمِ
قد سُرّح الصبيان كلُّهم 
وبقيتُ محصوراً بلا جُرمِ
فأرسلت أمه الى ابيه تقول :
والله انْ لم تُطلقه ، لأخرجنّ حاسرة حتى أطلقه ..!!
وقد علق بعضهم على هذا الخبر بالقول :
" عليّ بن الجهم كذّاب ، وما يمنعه من أنْ يكون ولدّ هذا الحديث ،
وقال هذا الشعر وله ستون سنة ، ثم حدّثكم انه قاله وهو صغير ، ليدفع من شأن نفسه .."
وهذا محتمل لا نستطيع أنْ ننفيه بعد أنْ ثبت انه كان كذّابا .
- 8 -
لقد تحاماه الناس ومالوا عنه، بعد أنْ شاع خبر أكاذيبه ونزعته الشريرة ، وذكره الاصدقاء بالسوء ...
فخرج من بغداد الى الشام ..
فخرجت عليهم في الطريق عصابة هاجمتهم فطعن طعنةَ قَتلته ..
وقيدما قال الشاعر :
لقد ذهبَ الحمارُ بأمِّ عمروٍ
فلا رجعتْ ولا رجَع الحمارُ