قديما قال ابو تمام :
إن يَختَلِف ماءُ الوِصالِ فَماؤُنا
عَذبٌ تَحَدَّرَ مِن غَمامٍ واحِدِ
أَو يَختَلِف نَسَبٌ يُؤَلِّفُ بَينَنا
أدبٌ أقمناه مقام الوالدِ
الثقافة هي الوجه المشرق ، وهي الهوية الحقيقية لهذا البلد أو ذاك ، وهي مرآة الحياة والوان تفاصيلها الاجتماعية ؛ ولكل بلد من البلدان ملامحه وصفاته وما يميزه عن غيره من البلدان .
في كل سفرة ثقافية او سياحية الى سورية اكتشف شيئا جديدا عن هذه البلاد النابضة بالثقافة وحب الحياة ؛ لكنني في سفرتي الأخيرة ، وبعد وصولي بأقل من ساعة ، اتصلت بالشاعر العراقي المقيم في سورية محمد مظلوم ؛ فلقد كان بيني وبين مظلوم أكثر من اتصال يتعلق بشعره وتفاصيل اخرى ، سبقت وصولي الى دمشق ؛ وما أن وصلت واستقرت بي الحال في أحد الفنادق ، حتى اتصلت بمظلوم وقلت له أنا في الشام .
كان الوقت مع غروب الشمس ، والشام في وقت كهذا تبدأ صباحاً آخر ، حيث تبدأ الحياة النابضة ، بعد ان ينتهي نهار العمل ، لتبدأ الحياة الضاجة بالمحبة والألفة ، فضلا عن لقاءات المبدعين وتواصلهم واماسيهم الثقافية وسهراتهم .
قال لي محمد مظلوم نحن في مكان قريب جدا من الفندق الذي تسكنه ، اترك كل شيء وتعال ؛ ولقد فعلت كما قال ، وما أن وصلت حتى وجدت ثلة من الأحبة والاصدقاء ، ومن بينهم المبدع الجميل بندر عبد الحميد ، ففرحت بلقائه إذ سبق ان التقيته مرتين في زياراتي السابقة لسورية ، لكن في مكان عام ، وغالبا ما تكون لقاءاتنا برفقة المبدع العراقي حربي عبد الله .
هذه المرة ، وجدت نفسي في مكتبة فخمة ، ومكان نابض بالاجواء الابداعية ، بدءا من لوحات الجدران التي يطرزها الذوق بأبهى درجاته ، وليس انتهاءً بمكتبة تضج بالعنوانات النادرة والرصينة ؛ وكان يزين كل هذا لقاء الأحبة وتواصلهم والحوارات الابداعية المثمرة .
جلسلة ثقافية ، عراقية سورية ، فماذا يتوقع أن يكون محورها غير الابداع الذي يمتد فراتا بين البلدين ، فمررنا باحاديثنا عن الجواهري الكبير ، والبياتي ، ويوسف الصائغ ، وكان لنا مع كل شاعر وقفة ورأي .
لكن ، هل انتهت الجلسة ؟ الجواب : لم تنته لحد لحظة كتابة هذا المقال ، فلقد كان من كرم الشاعر والكاتب المبدع بندر عبد الحميد ان يسلمني مفتاح مكتبته الأثيرة ، ويقول لي خذ الوقت الذي يكفيك فيها ؛ فأقمت فيها حتى ادركني الوقت وانتهت مدة سفرتي .
المكان في وسط الشام ، حيث شارع العابد ، ولقاء الأحبة من عراقيين وسوريين ؛ اما الزمان فهو اسبوع كامل في ضيافة الابداع والجمال ، والالفة والمحبة ، والحوارات المثمرة ، لا سيما تلك التي تناقش الواقع الثقافي والابداعي . فألف شكر للشام وللمبدع الجميل بندر عبد الحميد ، والى لقاءات قريبة يسبقها الشوق والمحبة .