المحـذوف من العنـوان والعـائد مع النص

ثقافة 2019/08/02
...

محمد خضير سلطان
أصدر الكاتب حسن العاني كتابه الأخير جامعاً مقالات عديدة كُتبت في الغالب منذ تاريخ قريب ليمنحه عنواناً موحياً بأكثر من إتجاه بلاغي ونصي فجملة العنوان “دفترصغيرعلى طاولة” تنطوي على صورة لفظية قابلة لأكثر من توقع محذوف في العبارة إذ جاء التركيز على ملفوظات مادية محدودة جداً، دفتر وطاولة تحت بقعة ضوء وتلقي سدولاً على تفاصيل أخرى كامنة وغير مرئية من فضاء المشهد فاذا كانت لغة الجملة تسلط ضوءاً ما على طاولة  أو دفتر فقط فان هذه الطاولة ليست على حافة عدمية أومشهد منته عند حدودها فلا بد من فضاء قريب من المشهد قد جرى تضليله أو تأجيل كشفه حتى لو جرى ترميمه بعنوان فرعي بأسم “وجوه وحكايات”، فهل كانت هذه الوحدات اللفظية عبر ذلك الصوغ، تخبئ محذوفاً صورياً  لا تسجله اللغة قدر ما تبحث عنه بلاغة التصوّر السردي.
هذه القراءة لم تكتمل إذا إكتفت بوصف الدلالات النصية فقط ما لم تُجمع بؤر تلك الدلالات لكي توضح ملامح رؤية نقدية وفقاً للتحليل النقدي  للعنوان بوصفه إحدى “عتبات” النص الموازي فأن الدفتر سيكون نصا موازياً للكتاب كونه نصاً نهائياً فما عاد سجلاً في الأصل قابلاً للمحو أو الشطب آخذاً محتواه الجديد فيما يحتفظ بتكوينه الأول وصفته المتغيرة التي استقرت في شكل الكتاب.
في السياق نفسه فان محتوى الكتاب سيغدو هو المحذوف النصي من الصورة اللفظية للعنوان فما عادت صورة لفظية قدر ما تخبيء العائد من مبنى السرد وتكشف عن الكامن من الوقائع وسيرورتها الفنية.
ومفاد ذلك بان هذا الدفتر الصغير- الكتاب، إحتوى في الغالب على إستعادات لوقائع وإستذكارات لملامح وجوه وشخصيات، تقوم على فاصل تحولي سردي بين زمنين “ قبل وبعد 2003”ما جعله كتاباً سيرياً في أحد مظاهره الخفية ومتناً “دفتريا” وحكائياً لشخصية واقعية عاشت غرابة لن يتأتى حتى لها إيجاد تفسير لما يحدث أمام الشر المحيق بها ومع ذلك فقد سجلت تلك الشخصية شيئا ما حقيقياً حدث لها في دفتر صغير وتركت بياضاً أو فراغاً حسب زاويتها السردية التي ترى الوقائع منها.
وربما هو أيضاً دفتر صغير على طاولة، يوحي بأكثر من توقع للمتلقي عن صورة إستعارية لمجموعة أوراق مضمومة ومتروكة على طاولة مهجورة مثل لقيا لم تكن صغيرة تم العثور عليها تواً أو شيء من هذا القبيل،يستدعي أنتظاراً تأملياً من أحد ما أن يزيل مرأى إغتراب الصورة الاستعارية غير المعّرَفة ويجعله قريبا من إلفة شاملة ومدركة فالعنوان في إحدى دلالاته الفنية البسيطة هو باب للدخول الى مبنى الكتاب لكنه قد لايكون جزءاً من محتوى مباشر لهذا المبنى،إنه توصيف ونكرة لغوية في سياق المعرفة والاثبات.
ولأن محتوى الكتاب كان في الأصل مقالات مختارة ومنشورة في الصحافة بتواريخ قريبة بعد 2003 فهي لاتحتاج الى تغيير جديد بل من المهم جداً الإبقاء على خاماتها كما هي حفاظاً على صورتها الزمنية التي ظهرت بها بلا رتوش، وهو ما لقي عند الكاتب اهتماماً وأكد عليه حرصاً وأمانة، هنا يلتقي النص الأصلي للمقالات المختارة “الدفتر” بالنص الموازي للكتاب وهو العنوان والإهداء والمقدمة وإصدارات المؤلف والفهرست.
تلك المقالات انتشلت من وسطها الباث، صفحات المجلات والجرائد التي تتسم بتنوع وتزامن المواد الخبرية والابداعية وتعدد الاسماء والصور والوقائع، وكل تلك المظاهر تشكل النص الموازي لها قبل أن تحل في نص الكتاب مثل استخراج لقية آثارية قديمة للاستدلال على فضائها الحيوي في زمن جديد.
وإذا كان النص” المقالات” يعبر عن تجربة الكتابة لدى الكاتب في مدة محددة بما إشتملت عليه المقالات المختارة من وقائع إستذكار وطرائق تناول سيرية وصيغ لغة وبناءات فنية وأبعاد وجوه وبؤر شخصيات ومراث ونقد ساخر ومفارقات سود وأسماء مستعارة فان عائد النص الموازي يمثل إشارات التجربة كلها ومرتسماتها العامة وخطوطها البيانية وتوصلاتها الآنية التي تمثل تجربة الكاتب كلها متضمنة هذه النافذة
 الجديدة لها.