اجتياح الكويت

ثقافة 2019/08/03
...

د. سعد العبيدي 
ظن صدام عند انتهاء الحرب مع ايران انه خرج منتصراً، وبسبب هذا الظن وديون الحرب وجنون العظمة اتجه صوب الجنوب في محاولة لقبض الثمن خليجياً. وعندما عجز عن حصوله طوعاً، بدأت تكبر في مخيلته نوايا الحصول عليه بالقوة مع كل لحظة يكتشف فيها واقع البؤس في عيش العراقيين، والتردي في حال الاقتصاد والصناعة والزراعة والعجز الكبير في الميزانية واستحالة ترميم الحالة مع موجة هبوط أسعار النفط التي اتهم فيها الكويت، والإمارات على إنهما وراء هذا الفعل بقصد تدمير العراق، وإسقاط نظام الحكم... ظنٌ أو شكٌ يعود بعضه لعوامل نفسية، لم يستطع بسببها تقدير نوايا الغير، ولم يأخذ بتقديرات موقف أجهزته الاستخبارية، ولم يدرك طبيعة التحرك في الساحة الدولية والاقليمية، وما قالته السفيرة الامريكية (غلاسبي) في مقابلتها له قبل فترة قليلة، لذا بدأ تحركا باتجـاه العمل العسكري ضد النقطة الأضعف في الجدار الخليجي وهي الكويت، ظن وقته مناسباً، وظن أن الدول الكبرى منها أمريكا سوف لن تنشغل به، ومع هذا كان تحركه حذراً وبسرية تامة ساعياً الى تأمين اعلى قدر من المباغتة. فعلى المستوى التعبوي حرك قوات الحرس الجمهوري إلى منطقة الزبير قبل حوالي أسبوعين من بدئ الاجتياح ونشرها في الساحة المواجهة بأسلوب دفاع، لا يساعد أجهزة الاستخبارات العالمية، من تأكيد نوايا الاجتياح، وعبأ هذه القوات بما يوحي وكأن استخدامها مقتصرا على تأمين الضغط اللازم على الكويتيين. وفي الوقت ذاته أبقى الفيلقين السابع والثالث في مقراتها القريبة من المنطقة مع الأمر بإعادة تنظيمها، وتدريبها، وسد النقص في موجودها من الأشخاص والأسلحة والمعدات بسرعة كبيرة. وفي جوانب السياسة تحرك للـرد علـى استفسارات العـرب، والأجانب حول تمركز تلك القوات لأغراض التدريب الإجمالي، ثم  الدعوة إلى عقد مؤتمر قمة في بغداد، الذي عقد بالفعل ربيع عام 1990 في أجواء حاول أن يقلل من خلالها مستويات التوتر وعدم الارتياح، لكنه من الجانب الآخر خطب في المؤتمر خطبة حماسية، نوه فيها عن نوايا الأشقاء لتدمير اقتصاد العراق بطريقة عدها حرباً غير مقبولة، مؤكدا فيها المقولة الشهيرة ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، مشيراً الى دورهم في تخفيض سعر النفط. ومع كل تلك الإشارات، والاتهامات لم يستثن الشيخ جابر الصباح أمير الكويت من الأنواط التي أغدق بها مكرمة للملوك والرؤساء، حتى انتهى المؤتمر تظاهرة أثارت حيرة المؤتمرين ولم تثر شكوكهم في احتمالات اتخاذ فعل عسكري قتالي بالضد من الكويت، كما سعى الى تعزيز دور مجلس التعاون العربي ليكون قادراً على تمرير بعض النوايا بتأييد هذه الكتلة، أو بتحييد بعض أعضائها، والتوجه صوب قادته (مصر، واليمن، والأردن) لتوثيق العلاقات الشخصية معهم، والإعلان في الوقت ذاته أن المحور الجديد ليس بديلاً عن الجامعة العربية، وليس تكتلاً بالضد من أي عربي، وإنما هو في الأصل نظام اقرب إلى التحالف الموحد يبقى مفتوحا لانضمام باقي العرب الراغبين متى يرون. وفي اجتماعه مع هؤلاء القادة في الأردن، دعاهم إلى بغداد، واصطحبهم في جولات داخل العراق، واعدا إياهم بتشييد قصور تسجل بأسمائهم في أهم المناطق السياحية، وفي الوقت نفسه تبرع إلى مكتبة الإسكندرية بأكثر من عشرين مليون دولار، وأبدى استعدادا لدفع المزيد كمحاولة لاستمالة مصر لتأييد ما سيقوم به لاحقا في احتلال الكويت. 
على هذا يمكن القول إن صدام نجح في التضليل على المستويين الاستراتيجي والعملياتي لينفذ أسرع عملية اجتياح عسكرية لدولة مجاورة.