ظاهرة تعاطي المخدرات بين التجريم والمعالجة ..!

--- 2019/08/05
...

القاضي ناصر عمران الموسوي
حتى وقت قريب لم تكن المخدرات تشكل معضلاً اجتماعياً او صحياً او ثقافياً او قانونياً  في العراق ولعل اسباب ذلك تعود الى النظام الاجتماعي المحافظ والعزلة الدولية، فضلاً عن الروابط الاجتماعية والثقافية والدينية والتي اسهمت بشكل كبير في رفض وجود مثل هكذا ظاهرة بالرغم انها كانت موجودة بنسب ضئيلة جداً الا ان حالة التغيير والانفتاح، اضافة الى الثورة التقنية الالكترونية التي استطاعت ان تلغي الحدود والمسافات الجغرافية وتخلق حالة الحضور الافتراضي التقني وما شكلته هذه الحالة المتطورة من جوانب ايجابية الا ان لها اسقاطات في الجوانب السلبية 
فضلا عن ان المرحلة الاخيرة لعمر النظام السابق شهدت اتخاذ  مجموعة من الاجراءات ضيقت فيها من تناول المشروبات  الكحولية التي كانت سائدة بشكل رسمي ما انسحب بدوره الى ان تكون الدور السكنية والمناطق الاجتماعية مكانا لها، هذه الارضية خلقت بيئة حاضنة لانتشار ظاهرة المخدرات لاحقاً كما اسهمت  بعض قنوات الإعلام بكل الطرق ومنها الصحف والمجلات ودور ( السينما)  بالتعريف بها بدور سلبي حيث تعرض الأفلام والمسلسلات التلفزيونية  مشاهد تظهر فيها مجموعة من الأفراد وهم يتعاطون المواد المخدرة  وهم يشعرون بالسعادة والنشوة والطرب وان كل هذه الطرق اسهمت في إفساد الشباب بتشجيعهم على تعاطي المخدرات افراداً وجماعات لتحقيق ما تجلبه لهم من لذة مؤقتة يغيب فيها العقل والفكر وهرباً من الواقع الذي يعيشونه ولعجزهم عن التأقلم مع الحياة وكان لهذا السلوك المنحرف انعكاسات سلبية على شخصياتهم وانفعالاتهم وتعاطي المخدّرات احدى نتائج هذه الانعكاسات والتي تُعرف أيضا إساءة استعمال المواد المخدرة، بشكل سلبي بعيدا عن الاستشارات الطبية،  كما ان التغاضي وتزويد المتعاطين لها من قبل بعض الاجهزة الطبية اسهم بشكل كبير باستشرائها والادمان على تعاطيها، اضافة الى اسباب معنوية منها ما يسببه تعاطيها من شعور نفسي بالارتياح  اي تغيير المزاج، والتعريف القانوني للمخدرات  كما جاء في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 في المادة 1/ أولاً: المخدرات أو المواد المخدرة : كل مادة طبيعية أو تركيبية من المواد المدرجة في الجداول (الأول) و ( الثاني) و  (الثالث) و ( الرابع) الملحقة في هذا القانون (وهي قوائم المواد المخدرة التي اعتمدتها الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 وتعديلاتها .) اما المؤثرات العقلية فتعرف وحسب المادة 1 / ثانيا : كل مادة طبيعية أو تركيبية من المواد المدرجة في الجداول (الخامس) و ( السادس) و ( السابع) و( الثامن) الملحقة في هذا القانون (وهي قوائم المؤثرات العقلية التي اعتمدتها اتفاقية الأمم المتحدة للمؤثرات العقلية لسنة 1971 وتعديلاتها) و هي كل مادة خام أو مستحضرة تحتوى على عناصر منبهة من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية و الصناعية أن تؤدي إلى حالة التعود أو الإدمان عليها مما يضر بالفرد و المجتمع جسميا و نفسيا و اجتماعيا .
و المخدرات مجموعة من المواد تسبب الإدمان و تسمم الجهاز العصبي، و يحضر تناولها أو زراعتها أو صنعها كما نصت عليها القوانين وتعرف المخدرات حسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية  الموافق عليها في فيينا بتاريخ 
20/ 12/ 1988 كما يلي: “ المخدرات “ أية مادة طبيعية كانت أو اصطناعية من المواد المدرجة في الجدول الأول و الثاني من الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 و من تلك الاتفاقية بصيغتها المعدلة ببروتوكول سنة 1972 و يقصد بتعبير “ المؤثرات العقلية “ أية مادة طبيعية كانت أو اصطناعية أو أية منتوجات طبيعية مدرجة في الجداول الأول و الثاني و الثالث و الرابع من اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971 وتعديلاتها  ان تعاطي المخدرات بما فيها الكحول يؤدي إلى مشاكل صحية وضعف قوة المدمن العقلية يصاحبها هبوط مستواه الخلقي، و هذا الضعف الجسماني يؤدي إلى فقد مورد رزقه، و ليس هذا فحسب بل يتعدى هذه الظواهر بارتكاب الجرائم الخاصة، و خاصة جرائم الأموال للحصول على المخدر بأية طريقة، كما يمكن أن يستغل المدمن من قبل الغير بتحريضه على ارتكاب بعض الجرائم مقابل مبالغ مالية هو في حاجة إليها. وبالرغم من الانتقادات الكثيرة لقانون المخدرات والمؤثرات العقلية النافذ ان القانون وان تضمن نصوصاً عقابية شديدة تصل الى الاعدام فانه كان واضح الرؤية بجريمة تعاطي المخدرات باعتبار المتعاطي ضحية من ضحايا المتاجرين بالمخدرات و فيه ميل واضح للمعالجة على حساب العقوبة وهي نظرة موضوعية وتشخيص سليم للظاهرة ولعل ما جاءت به المادة  (32 ) من القانون المذكور والتي تنص :  ( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن  سنة واحدة ولا تزيد على  ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار ولا تزيد على عشرة ملايين دينار كل من استورد أو أنتج أو صنع أو حاز أو أحرز أو اشترى مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية أو زرع نباتا من النباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو اشتراها بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي) فقد اعتبر جريمة الاستيراد او الانتاج او الصناعة او الزراعة او الحيازة  بقصد التعاطي  جنحة بدلا من عقوبة الجناية وهو ما عززه  الاتجاه القضائي الاخير  حيث لم يعتبر التعاطي الشخصي الغير مقترن بالحيازة كافيا ً للإدانة وتطبيق العقوبة  والحيازة تعني ضبط المواد المخدرة والمؤثرات العقلية تحت يد المتعاطي بموجب محضر الضبط الاصولي  وهو اتجاه تماهى مع نصوص القانون المذكور وبخاصة المادة العقابية (33) ذات الصلة بالمادة (32) والتي تنص/  أولاً: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن ثلاثة ملايين دينار ولا تزيد على خمسة ملايين دينار كل من :
أ- سمح للغير بتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية في أي مكان
عائد له ولو كان بدون مقابل .
 ب- ضبط في أي مكان أعد أو هيأ لتعاطي المخدرات أو المؤثرات
العقلية وكان يجري تعاطيها مع علمه بذلك ولا يسري حكم هذه
الفقرة على الزوج أو الزوجة أو أصول أو فروع من أعد أو هيأ
المكان المذكور أو من يسكنه .
  والفصل التاسع والتي تناول التدابير الخاصة بمعالجة المدمنين وحسبما  نصت عليها المادة (39) منه المادة -  أولاً : للمحكمة بدلاً من ان تفرض العقوبة المنصوص عليها في المادة (33 )  من هذا القانون ان تقرر ما تراه مناسبا 
مما يأتي :
.أ ايداع من يثبت ادمانه على المخدرات او المؤثرات العقلية في احدى المؤسسات الصحية التي تنشأ لهذا الغرض ليعالج فيها الى ان ترفع اللجنة المختصة ببحث حالة المودع تقريرا عن حالته الى المحكمة لتقرر الافراج عنه او الاستمرار بإيداعه لمدة او مدد اخرى .
ثالثاً : اذا رفض المحكوم عليه العلاج المقرر في هذه المادة، فللمحكمة إيداعه مكان الحبس بالمدة المنصوص عليها في المادة ( 33) من هذا القانون . وما ورد في المادة (40) من القانون والتي منعت اقامة الدعوى الجزائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة او المؤثرات العقلية من تلقاء نفسه للعلاج في المستشفى المختصة بعلاج المدمنين وحسب الاجراءات التي نصت عليها المادة المذكورة . أ : يوضع المريض المشمول بأحكام البند (أولا) من هذه المادة تحت الملاحظة في المؤسسة الصحية لمدة لا تزيد على (30) يوما.
ب. إذا ثبت للمؤسسة الصحية ان المريض مدمن ويحتاج الى العلاج فلها ان تبقيه لمدة لا تزيد على ( 90) يوما .
جـ. تمدد المؤسسة الصحية مدة بقاء المريض فيها لمدة (180) يوماً اذا رأت حاجته للعلاج تقتضي ذلك.
ثالثاً : للجنة الطبية المختصة ان تلزم من يتقرر اخراجهم من المؤسسة الصحية بمراجعة عيادة نفسية اجتماعية على ان يرفع الطبيب المعالج تقريره الى اللجة لتقرر وقف مراجعته العيادة الطبية المذكورة او استمراره .
رابعاً : عند عدم التزام المريض ببرنامج العلاج لدى المؤسسة الصحية تشعر المحكمة المختصة بذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه وفق المادة ( 33)  من هذا القانون . ومع كل هذه الاجراءات فان القانون اوجب التعامل بسرية حيال الاشخاص الذين يعالجون من حالة الادمان على المخدرات والمؤثرات العقلية  حسب نص المادة (41) منه ، ان ظاهرة تعاطي المخدرات لا يمكن القضاء عليها او الحد منها من خلال الجوانب التشريعية والاجراءات القضائية بل ان الامر بحاجة ملحة الى وجود مصحات طبية وعيادات نفسية تكون بمستوى التحدي الذي تشكله ظاهرة المخدرات وتكون مجهزة بكل ما يحتاجه العلاج لمساعدة المدمنين على تجاوز حالة الادمان والعودة الى طبيعتهم الاولى ومن خلال كوادر مهنية كفوءة لتحقيق الهدف والغاية التي نص عليها القانون المذكور بأسبابه الموجبة.